الجمعة، 23 مايو 2008

أزمة الدانمارك المقال الثالث للدكتور علي جمعة


بقلم الدكتور على جمعة

مفتى الديار المصرية

الذى تعلمناه من دين الإسلام أنه دعوة عالمية, قال تعالى {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [سبأ:28], وقال تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] ومعنى هذا أننا أمة دعوة, ومقتضى الدعوة تبليغها بصورة لافتة للنظر, وعرضها على الناس, بشروط قد حددها الله سبحانه وتعالى, أول هذه الشروط هو: حرية العقيدة وعدم الإكراه عليها, قال تعالى {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29], وقال تعالى {لكم دينكم ولى دين} [الكافرون: 6], وقال تعالى {لا إكراه فى الدين} [البقرة: 256] وقال تعالى {لست عليهم بمسيطر} [الغاشية: 22] وقال تعالى {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص: 56] وقال تعالى {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ} [الشورى: 48] ومن شرط الدعوة أن تكون بالحكمة قال تعالى {ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125], ومن شروطها أن تكون على بصيرة, قال تعالى {قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى} [يوسف: 108] ومن شروطها أن تكون شفافة, قال تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد مابينّاه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} [البقرة: 159] فجعل كتم البيانات والهدى من الكبائر التى تؤدى إلى الفساد فى الدين, والى الأذية والضرر فى الخلق, ولذلك استوجبت لعنة الله , دلالة على أنها من الذنوب الكبائر, ولعنة اللاعنين الذين يتأذون بذلك فى الحياة الدنيا, ولكن من رحمة الله سبحانه وتعالى أن فتح باب الرجوع والعودة للإصلاح فقال بعدها {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) [البقرة: 160].

1- تكشف أزمة الدانمارك عن أننا قد قصرنا فى عرض ديننا بصورة لافتة للنظر, وهذا يستلزم منا مجهودا علميا ودعويا يتجاوز ما نحن عليه الآن بصورة جذرية, ولقد نشأت فى جامعة الأزهر والحمد الله رب العالمين, كلية اللغات والترجمة,وخرجت كثيرا من الأجيال ولكننا نحتاج إلى المزيد من هذا التوجه بإرسال بعثات من الأزهر الشريف للدراسة فى الغرب وتقبل بعثات الآخرين إلينا وهو ما شرعت فيه جامعة الأزهر بالفعل.

2- تفعيل دور الخريجين من هذه الكليات للعمل بالمراكز الإسلامية بالخارج, مع إتاحة الفرصة لهم للمعيشة فى هذه البلاد بصورة مستمرة, لأن اللغة لا تكتسب وهى كالكائن الحى لا تنمو إلا بطول المراس والمعاشرة, والاطلاع على دقائق العقلية وكيفية الخطاب, ولابد من أوضاع مستقرة لهؤلاء الأئمة يمثلون بحالهم قبل أقوالهم الإسلام, وكثيرا ما نرسل هؤلاء الأئمة, ثم نسحبهم بعد أربع سنوات أو خمسة وهى زمان لا تكفى للتفاعل والأداء الحسن الذى نرجوه.

لابد من إنشاء مرصد تكون مهمته الرصد والتحليل لكل ما يكتب وينشر ويذاع عن الإسلام فى الخارج باللغات المختلفة, ومناقشة وتجهيز البيان الواضح بإزاء تلك القضايا وعدم ترك الأمور تتراكم حتى تصل إلى حد الانفجار, فقد يكون إنشاء قناة فضائية تتكلم بالإنجليزية خاصة أمرا فى غاية الأهمية, وهو ما لم يتم حتى الآن بصورة تتناسب مع العصر الذى نعيش فيه.

3- نريد بصورة مستمرة عمل مؤتمرات الحوار والتى يدعى فيها رجال الصحافة والإعلام فى كل مكان, وتتم المناقشات حول المصطلحات والصور الذهنية التى تتعسف مع الإسلام والمسلمين فيما يسمى ( بالإسلام فوبيا) الذى يعنى الخوف من الإسلام.

4- عمل مناهج متخصصة ودراسات عليا لدراسة الخلاف الحضارى بين الشرق والغرب, وطرحها للحوار مع جميع المؤسسات الفكرية والإعلامية والجامعية والثقافية وعدم حصر ذلك فى النطاق الأكاديمى.

5- تفعيل الاتفاقات القائمة بين جامعة الأزهر وسائر الجامعات والمؤسسات العالمية وهى كثيرة والحمد الله, ولكن تحتاج إلى مزيد من العمل والجهد.

6- إنشاء مراكز للترجمة والنشر من العربية وإليها للاطلاع على خلاصات التراث الإسلامى ومكونات العقل المسلم وعلى كيفية الإستفادة من التراث الإنسانى والتواصل بيننا وبين العصر,خاصة فى مجال البحث العلمى, وبيان أخلاقيات هذا البحث ونظر الإسلام إليه, وكيفية نقل التكنولوجيا اختراعا وإبداعا, وليس استهلاكا وتقليدا, مع الحفاظ فى نفس الوقت على الهوية وهى أمور تحتاج إلى مزيد من التفكير وإلى مزيد من تطوير القوانين, وإلى مزيد من المشاركة الفعالة.

هل نرى فى يوم من الأيام مجلة تصدر باللغة الإنجليزية يكون لها توزيع عالمى, تشرح للناس من هم المسلمون فى تاريخهم وفى واقعهم وفى أفكارهم وفى عقائدهم؟

أتعرف كم يتكلف هذا البرنامج من أموال؟ أتعرف كم يحتاج من فرق عمل ذات كفاءة عالية فى تخصصات مختلفة؟ أتعرف أن الانشغال بهذا البرنامج بدلا من كثير من اللغو الذى نحياه, ومن التوجهات الفكرية والصورة الذهنية لكثير من المسلمين عن الإسلام نفسه, يحتاج منا إلى تحولات جذرية وتغيرات فى طريقة التفكير وفى المسائل المطروحة التى تشغل الذهن المسلم والتى اختزل الدين فيها؟ أتدرك الآن مع هذه النقاط البسيطة أن جذع النخلة فى أعيننا . أم أنه قد صدق فينا قول الإمام الشافعى:

نعيب زماننا والعيب فينا… وما لزماننا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب… ولو نطق الزمان لنا هجانا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب… ويأكل بعضنا بعضا عيانا

أم أننا دخلنا فى نطاق قول المتنبى:

أغاية الدين نحفوا شواربكم … يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

فمثل هذه الأزمات تحتاج إلى إدارة واعية, يمكن أن نلخصها فى كلمات, ثم نفصل القول فيها فيما بعد, إدراك الواقع على ما هو عليه, والحكمة فى معالجة الأمور, واعتبار المقاصد والمآلات والاستفادة من الأزمة لما بعدها, والعمل على عدم تكرارها, وكسب أرض جديدة حتى تكون المحنة منحة.

الأهرام 20 فبراير 2006

ليست هناك تعليقات: