الأحد، 8 يونيو 2008

ختان الإناث‏- 2


بقلم الدكتور على جمعة

مفتى الديار المصرية

عندما نتعامل مع قضية ضاربة بجذورها في التاريخ‏،‏ ملتبسة هذا الالتباس مثل ختان الإناث، فإننا نحتاج إلى مزيد إيضاح‏،‏ لفك الالتباس‏,‏ ولإقرار الحق‏،‏ ونقوم بذلك في الخطوات التالية‏:

1- تقرر عند علماء الحديث أنه لم يصح في ختان الإناث حديث‏، وأن كل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة لا تقوم بها حجة‏، ويكفي هنا أن نشير إلى البحث القيم الذي قام به شمس الحق العظيم آبادي في شرحه عون المعبود في شرح سنن أبي داود‏،‏ وكذلك ما بحثه الإمام الشوكاني في‏(‏ نيل الأوطار‏)، حيث قال العظيم آبادي في‏[‏ عون المعبود‏]:126/14:‏ وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت
ويقول الشوكاني في‏[‏ نيل الأوطار‏]191/1:‏ ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به‏، فهو لا حجة فيه على المطلوب‏،‏ وقال ابن المنذر‏:‏ ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنه تتبع‏..‏ ومن ذلك كلام ابن الحاج في المدخل، وكلها تبين أنها عادة وليست عبادة‏.‏

2- عندما نسأل عن وجوب أو سنية ختان الإناث‏،‏ ونجيب بأن الفقهاء قالوا بأنها مكرمة‏، تعني أنهم نفوا عنها صفة الوجوب‏.‏ ونفوا عنها صفة السنة‏،‏ وبذلك فقد نفوا عنها صفة التشريع‏،‏ وجعلوها من العادات‏،‏ فإذا كانت العادات‏، فإن الأمر فيها مردود إلى الخبراء‏,‏ والى البيئة‏،‏ والى النفع والضرر المحيط بها‏،‏ ولما كان السقف المعرفي للطب القديم بعضه يقول‏:‏ إنها لا تضر ولا تنفع‏، وبعضه يقول‏:‏ أن فيها شيئا من النفع‏، فقد قال الفقهاء بناء علي كلام الأطباء أنها مكرمة،‏ ويفهم بعض الناس من نقلنا عن الفقهاء أنها مكرمة أنها مرغوب فيها‏، والأمر ليس كذلك، بل كلمة مكرمة هنا تكلم بها الفقهاء بناء على المعارف الطبية،‏‏ وليس بناء على الشريعة الإسلامية‏،‏ حيث أنهم يضعفون الحديث الذي وردت فيه هذه العبارة‏,‏ ولو استدلوا به،‏ لاستدلوا به على أنها ليست من الشريعة في شيء‏،‏ وهو الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي‏:‏الختان سنة للرجال مكرمة للنساء‏.‏

3- والمعارف الطبية أخذت في التطور والرصد للحالات والبحث الدقيق حتى استقرت الآن على الضرر البليغ لختان الإناث فيما هو إجماع بين المتخصصين في هذا الشأن‏,‏ والطبيب الذي يخالف هذا الإجماع‏,‏ تراه غير متخصص فيه‏,‏ وتراه يتكلم بطريقة غير علمية‏,‏ وقد تتعلق بأمر آخر غير العلم من ثقافة سائدة أو ظن أن الشريعة تأمر به‏,‏ فيكون متحرجا أو غير ذلك‏.‏
ومن المعلوم أن الفقهاء ربطوا كلامهم في كثير من المسائل بالأطباء‏,‏ يقول الإمام الشافعي عندما يتكلم عن كراهة الوضوء بالماء المشمس في كتابه الأم ج‏1‏ ص‏7‏ ط دار قتيبة‏:(‏ ولا أكرهه إلا من جهة الطب‏),‏ وعندما يتكلمون على مسائل الحيض والنفاس والولادة‏,‏ وغير ذلك من الأمور الصحية المتعلقة بالمرأة‏,‏ فإنهم يرجعون إلى الوجود‏,‏ ويعنون بالوجود البحث الطبي‏,‏ والرصد والتتبع‏,‏ فقد تقرر أن مالا ضابط له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى الوجود‏,‏ كما في فتح المنان شرح الزبد لابن رسلان‏,‏ ص‏97‏ والمتصفح لكلامهم في هذا المعني يجده كثيرا‏.

4- ومنهجنا أننا نحترم المعرفة‏,‏ وما من الله به على الإنسان من علم‏,‏ وأننا لسنا من الذين يشتهون سب الأقدمين‏,‏ ولا انتقاصهم‏,‏ بل أننا نعظمهم غاية التعظيم‏,‏ حيث قاموا بواجبهم على منهج علمي رصين‏,‏ يتفق مع ما أذن الله لهم من معرفة‏,‏ ومن هنا تكلمنا عن أن الختان أربعة أنواع النوع الأول منه يتم فيه نوع من القطع أي الجرح وليس الاستئصال‏,‏ والأنواع الأخرى يتم فيها الاستئصال‏,‏ وأن النوع الأول هو الذي أقره الأطباء قديما‏,‏ وهو المفهوم من الحديث الضعيف الذي لا تقوم به حجة أشمي ولا تنهكي وهو الذي صرح به الماوردي فيما نقله عنه ابن حجر العسقلاني‏,‏ وتبعه النووي في ذلك من أن المقصود هو القطع لا الاستئصال‏,‏ وأن الأنواع الثلاثة إنما هي عدوان يستوجب القصاص‏,‏ أو الدية‏,‏ وأن الدية فيها تصل إلى دية النفس‏,‏ في حين أن النوع الأول وهو أخفها إنما هي من العادات المرتبطة بالمعارف الطبية‏,‏ وحيث أجمع الأطباء المتخصصون أهل الفن الكبراء‏,‏ وأطبقت كلمتهم على ضرر هذا الفعل‏,‏ فقد وجب القول بمنعه‏,‏ وتحريمه‏,‏ وتجريمه‏,‏ وليس في ذلك تجريم لسنة قد تركها لنا المصطفي صلى الله عليه وسلم كما يدعي بعضهم‏.‏

5- ويعترض بعضهم أن بعض علماء الشريعة الكبارـ كالشيخ جاد الحق علي جاد الحق‏,‏ والشيخ عطية صقر‏-‏ رحمهما الله وبارك فيهما وفي علمهما‏-‏ في سنيننا المتأخرة أصدروا الفتاوى بأنه سنة أو واجب‏,‏ وأقول بكل ثقة إن ذلك منهم كان استمرارا على المنهج الذي يرفض محض الآراء‏,‏ والتقليد للآخرين‏,‏ وأن نترك شيئا من موروثنا من أجل هذه الآراء أو الرغبات‏,‏ أو ذلك التقليد‏,‏ أما لو اطلع على تلك الأبحاث المتكاثرة‏,‏ وهذا الاتفاق الذي أطبق عليه‏,‏ فإنهم يرجعون إليه كما علمونا‏,‏ فالأمر في غاية الوضوح‏.‏

6- ومما ذكرناه أرى انه يجب أن تطبق كلمة العلماء الشرعيين على تحريم هذه الفعلة‏,‏ حيث أننا نصحنا الأطباء بالبحث منذ أكثر من خمسين سنة‏,‏ فبحثوا وأجمعوا‏,‏ ونصحناهم بالمؤتمرات فاجتمعوا وقرروا‏,‏ ونصحناهم بالاتفاق لا عن آراء ولا عن تقليد‏,‏ وإنما عن بحث وتتبع‏,‏ بحثوا وتتبعوا واتفقوا‏,‏ فوجب على علماء الشرع كما علمنا مشايخنا أن يزيلوا هذا الالتباس‏,‏ وأن يجتمعوا على كلمة سواء‏,‏ فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير اختلاف بعدما تبين لنا الحال‏.‏

الأهرام 13 أغسطس 2007

ختان الإناث


بقلم‏: ‏د‏.‏ علي جمعة

مفتى الديار المصرية

يظن كثير من الناس أن قضية ختان الإناث قضية جديدة أثيرت في أيامنا هذه‏،‏ وبعضهم يدعي أنها قد أثيرت بعد مؤتمر السكان بالقاهرة‏، والأمر ليس كذلك‏،‏ فختان الإناث أثاره الشيخ رشيد رضا في مجلته المنار في سنة‏1904‏ م‏، حيث سأل الناس حينئذ عن وجوب الختان‏،‏ فيكتب تحت عنوان وجوب الختان أو سنيته قال ابن المنذر‏:‏ ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع‏،‏ واحتج القائلون بأنه سنة بحديث أسامة عند أحمد والبيهقي‏:‏ الختان سنة في الرجال‏،‏ مكرمة في النساء وراويه الحجاج بن أرطاة مدلس‏.‏

وفي سنة‏1951‏ م يرسل معالي وزير الصحة المصري إلى فضيلة العلّامة الشيخ محمود شلتوت عضو هيئة كبار العلماء‏،‏ وأستاذ الشريعة بالأزهر الشريف‏ (‏ والإمام الأكبر فيما بعد‏)‏ يسأله عن قضية الختان‏،‏ خاصة ختان الإناث‏،‏ فيجيبه بجواب في‏28‏ ـ‏5‏ ـ‏1951‏م ينشره في مجلة الأزهر مجلد ‏23‏ عدد المحرم سنة‏1371‏ هـ في صفحة‏21,‏ ويقول بكل وضوح‏:‏ والشريعة تقرر مبدأ عاما‏، وهو أنه متى ثبت بطريق البحث الدقيق لا بطريق الآراء الوقتية التي تلقي تلبية لنزعة خاصة أو مجاراة قوم معينين أن في أمر ما ضررا صحيا‏، أو فسادا خلقيا‏،‏ وجب شرعا منع ذلك العمل‏، دفعا للضرر أو الفساد‏، وإلى أن يثبت ذلك في ختان الأنثى‏، فإن الأمر فيه على ما درج عليه الناس‏،‏ وتعوده في ظل الشريعة الإسلامية‏، وعلم رجال الشريعة من عهد النبوة إلى يومنا هذا‏،‏ وهو أن ختانها مكرمة‏،‏ وليس واجبا‏، ولا سنة‏.‏

ثم تكلم كلاما نفيسا بعد ذلك‏، لكن فيما نقلناه قاعدة مهمة‏، تمثل عقل الفقيه المسلم المتمكن من فقهه‏,‏ وقصة هذا أنه في شهر مايو من ذات السنة أصدرت مجلة الدكتور ملحقا حول ختان البنات‏، سألت فيه طائفة من الأطباء عن رأيهم وما ينصحون به في هذا الموضوع‏،‏ فأجمعت كلمتهم على عدم ضرورة ختان البنات‏،‏ وأشاروا إلى الضرر الذي قد ينجم عن هذه العملية‏،‏ لكنهم ـ والحق يقال ـ أبدوا ذلك على سبيل الرأي‏،‏ ومجاراة الحضارة‏، وليس على سبيل المعلومة الطبية المؤكدة‏.‏

وفي مجلة لواء الإسلام في عددها الأول من السنة الخامسة الصادر يونيو‏1951‏ م‏ (‏ رمضان‏1370‏ هـ‏)‏ قامت المجلة بعمل استطلاع لكبار العلماء‏،‏ فقال الشيخ إبراهيم حمروش عضو جماعة كبار العلماء،‏ ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر بعد كلام طويل يتعلق بسقف المعارف الشائع‏،‏ والذي يرتد إلى أمور دنيانا كما أمرنا أنتم أعلم بأمور دنياكم‏:‏ يجوز لها ترك الختان‏،‏ ولكنها في هذه الحالة لم تقم بالمكرمة‏،‏ فإذا أريد تقرير المنع من ختان المرأة‏،‏ فلابد أن يعلم بطريق صحيح أن العلم يثبت أن في ختانها إضرارا بها حتى يمكن القول بالمنع‏.‏ ويقول الأستاذ عبد الوهاب خلاف‏، أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بعد كلام طويل‏:‏ الذي يجب على الأطباء أن يوسعوا دائرة الاستقراء وألا يحكموا بأن ختان البنت ضار بناء على حالات فردية‏، وأن يقارنوا من الوجهة الصحية بين من ختنت‏،‏ ومن لم تختتن‏،‏ فإذا تم هذا الاستقراء وكانت النتيجة أن ختان البنت ضار بها ورأوا منعه فهذا المنع لا يعارض نصا في الدين‏،‏ ولا إجماعا لفقهاء المسلمين‏.‏

ويقول محمد بك البنا‏،‏ وهو من كبار العلماء أيضا بعد كلام طويل أشار فيه إلى اختلاف الأطباء‏،‏ ثم قال‏:‏ فإذا اشترك في ذلك عدد أكبر على النحو الذي أبديته ـ أعني على هيئة مؤتمر ـ كان البحث أتم وأوفى‏، والخلاصة أن المسلمين بالخيار من الناحية الدينية‏،‏ وأن الأمر متروك للمصلحة‏، ويجب أن يبحث بحثا كافيا بمعرفة الخبراء‏.

وفي المجلد ‏24‏ من مجلة الأزهر، في عددها العاشر الصادر في شوال سنة ‏1372‏ هـ الموافق‏11‏ يونيو سنة ‏1953‏ يتكلم الشيخ محمد عرفة رئيس تحرير المجلة‏،‏ وعضو جماعة كبار العلماء‏،‏ فيقول‏:‏ والعلم يرى أنه يضر بالحياة الزوجية‏،‏ ويؤدي إلى انتشار المخدرات بين الرجال‏، فإذا ثبت كل ذلك فأمره سهل جدا‏،‏ فليس على من لم تختتن من النساء من بأس‏، ومن اختتنت فيجب ألا ينهك هذا العضو منها‏، وإذا منع في مصر كما منع في بعض البلاد الإسلامية كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس والله الموفق للصواب‏.‏

ويتبين من كل ذلك أن المسألة قديمة‏،‏ يتكلم عنها الشيخ حسنين محمد مخلوف‏،‏ والشيخ سيد سابق‏،‏ ويعيدها الشيخ محمود شلتوت في كتابه‏(‏ الفتاوى‏)‏ الصادر سنة‏1959‏ م‏,‏ ويذكر فيه مرة ثانية إن ختان الأنثى ليس لدينا ما يدعو إليه‏، وإلى تحتيمه لا شرعا ولا خلقا ولا طبا‏.‏

ويتبين كذلك أن هذا الأمر عند كبار العلماء متعلق بالمعارف الطبية اليقينية‏،‏ ولما كانت المعارف الطبية السائدة في العصور الأولي تقول بنفعه‏،‏ فقد قال الفقهاء‏:‏ بأنه مكرمة‏،‏ وكلمت مكرمة تنفي أنه واجب‏، وبل وأنه سنة‏، وتجعله عادة يمتثل الناس لمعارفهم العلمية في كل عصر‏، ولذلك فقد ورد في كتبنا نقلا عن الأولين بأنها مكرمة‏،‏ لا لإقرارها‏، بل لنفي الوجوب والسنية عنها‏.‏

وتكلمنا أيضا عن أن للختان أربعة أنواع،‏ وأن المرحلة الأولى هي التي عناها الأطباء القدماء‏،‏ والذين بناء عليهم تكلم الفقهاء على أنها مكرمة‏، وأن هذه المرحلة الأولى هي عادة وليست من الشعائر‏،‏ وهذا معنى أيضا أنها مكرمة‏،‏ فهي ليست من الشريعة في شيء‏،‏ ولكنها بناء على المعلومات الطبية السائدة في عصر من العصور‏.‏

ومن كل ذلك يتبين أنه يجب على الأطباء أن يعلنوا الحقائق التي قد توصل إليها بالبحث‏، وبالمؤتمرات العلمية‏،‏ وبالقرارات التي توصلت إليها منظمة الصحة العالمية‏،‏ وبما قد أتفق عليه الأطباء المختصون في هذا الشأن الآن‏، بحيث صار إجماعا بعلم يقيني‏،‏ كما طالب علماء الشريعة منذ أكثر من نصف قرن‏،‏ رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم‏.‏

ونحن إذ نتبع ما تيقن منه الطب‏،‏ واستقرت عليه الكلمة‏،‏ فنحن نتبع هؤلاء العلماء الذين أصلوا لنا الأصول‏،‏ وتركونا على المحجة البيضاء‏،‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏

الأهرام 6 أغسطس 2007

والتلبيس حرام …


بقلم د. على جمعة

مفتى الديار المصرية

ذكرنا في مقالة سابقة أن الكذب حرام، والكذب من الأفعال البشرية الشائعة التي حرمها الله في كل دين‏،‏ ولذلك كانت من الوضوح بمكان‏;‏ بحيث إن التذكير بها‏،‏ هو تذكير بالمتفق عليه‏،‏ لكن النفس تحتاج إلى الذكرى من حين إلى آخر‏.‏

1- أما التلبيس فهو صفة تعد كبيرة من الكبائر‏;‏ لأنها تمنع أساسا من أسس الاجتماع البشري وهو التفاهم المبني أساسا على الفهم‏، والفهم حتى يكون صحيحا يجب أن يكون صورة صحيحة للواقع‏،‏ فإذا قام أحدهم بموجب ظاهرة صوتية يتكلم كلاما يخلط فيه الحق بالباطل‏، فإن هذا هو التلبيس بعينه‏، الذي يعطل الفهم‏، فيعطل التفاهم‏، فيعطل بعد ذلك البحث عن مشترك بين البشر‏، فيعطل مع هذا الاتفاق والائتلاف‏، ويدعو إلى النفاق والاختلاف‏، قال تعالى: {لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون‏}[‏ آل عمران‏:71].‏

2- ومن مظاهر تلبيس الحق بالباطل ذكر بعض الحقائق‏، وحذف بعضها الآخر بما يوجب أن يصل المعنى إلى السامع أو المتلقي على غير مراد المتكلم أو الكاتب‏، واجتزاء قبيح‏،‏ له صور مختلفة‏،‏ وضربوا له أمثالا منها اقتصار بعضهم وهو يتلو القرآن على وقف قبيح‏،‏ كما لو قال‏:‏ قال تعالى‏:{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة‏}[‏ النساء‏:43]‏ والحقيقة أن النسبة لم تتم‏;‏ حيث إن الله سبحانه وتعالى قال‏:{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتي تعلموا ما تقولون‏)[‏ النساء‏:43].‏ أو يقول‏:‏{فويل للمصلين‏}[‏ الماعون‏:4].‏

والحقيقة أن الله سبحانه وتعالي قال‏:{فويل للمصلين‏*‏ الذين هم عن صلاتهم ساهون‏}[‏ الماعون‏:5،4].

‏ ففي الآية الأولى اكتفى بالنسبة الظاهرية‏،‏ فحول الكلام إلى نهي عن الصلاة ولم ينظر إلى النسبة الحقيقية التي تنهي المصلي أن يصلي مع غياب عقله‏، والتي عللت لذلك بوجوب علمه بما يقول حتى تحقق الصلاة غاياتها من كونها صلة بين العبد وربه‏، وفي الثانية حذف الصفة التي هي قيد في المسألة‏، ومع كثرة القيود يقل الموجود،‏ فالويل إنما هو لمصل خاص يستهين بالصلاة ويتركها‏، ويجعلها في هامش حياته‏،‏ لا في أساسها ولا في برنامجه اليومي كما هو شأن المسلمين الملتزمين بالإسلام‏.‏

ومنسوب إلى أبي نواس بيت من الشعر قد يكون قد حاول فيه أن يبرر لنفسه معصيته بما اشتهر عنه من مجون وحب لشرب الخمر‏:‏
ما قال ربك ويل للأولي سكروا
ولكن قال ويل للمصلين
وهذا نوع من أنواع تداعي التلبيس الذي نهينا عنه‏.‏

3- وإذا صار التلبيس شهوة، وفخرا‏،‏ وتفاخرا بين حملة الثقافة والكتاب دل ذلك على ظاهرة سيئة رديئة تحتاج من المفكرين جميعا أن يقفوا بإزائها‏،‏ وتحتاج من مراكز البحث العلمي والاجتماعي أن يتدخل العلم بمناهجه الرصينة لدراسة هذه الظاهرة قبل أن تنتشر وتستفحل‏، وقبل أن تصير هي العرف السائد‏، والثقافة العامة‏،‏ بحيث لا ينكر عليها منكر‏،‏ بل إن من أنكر عليها فإنه يكون قد أنكر المعروف لدى هؤلاء‏،‏ فيتحول المنكر فى ذاته إلى معروف صوري‏، وسيظل ذلك أبدا منكرا عند الله وعند عقلاء البشر‏.‏

إن ظاهرة التلبيس في احتياجها هذا للبحث العلمي تختلف تماما عن ظاهرة الكذب‏;‏ لأنها دائما تذكر حقيقة أو حقائق تغلفها بأكاذيب‏،‏ ونحتاج إلى بحث أسباب هذه الظاهرة‏،‏ والدوافع التي تدفع إليها وطرق علاجها‏،‏ والرصد المتأني لها،‏ وآثارها المدمرة في بناء العقلية الواعية الصحيحة‏.‏

4- ومن المعلوم أن علم العلاقات العامة قد اهتم في دراساته لأنواع الدعاية الثلاثة‏:‏ الدعاية البيضاء التي لا تشتمل إلا على الحقائق‏،‏ والدعاية السوداء التى تشتمل على الأباطيل بصورة خالصة‏، والدعاية الرمادية‏(‏ إن صح التعبير‏)‏ والتى تخلط بين الحقائق والأباطيل‏،‏ وبالتتبع وجد أن الدعاية الرمادية أشد تأثيرا في الناس‏،‏ وأن الناس أكثر استجابة لها من الدعاية البيضاء والسوداء‏، ولكنها بما اشتملت عليه من أباطيل تكون قد خدعت جمهورها‏،‏ وإن حققت المصالح المادية من مبيعات أكثر للمنتجات‏.‏

إن هذا الذي تقرر في علم العلاقات العامة ليس مقصورا فقط على المنتجات المادية‏،‏ بل أيضا يشمل الدعاية للمنتجات الفكرية‏،‏ وكما أن المنتجات الحسية مضبوطة بضابط الاستهلاك الذي أصبح سمة من سمات العصر‏، والذي بني أساسا على نظرية العقد‏،‏ وعلى زيادة الأرصدة في البنوك‏،‏ وعلى الأرباح المادية بالدرجة الأولى‏،‏ فإن المنتجات الفكرية كذلك ضبطت بضابط الاستهلاك وسرى هذا إلى حياتنا الثقافية والفكرية‏.‏

5- فدعوتي إذن هي أن نستعمل مناهج علم العلاقات العامة‏،‏ والمعلومات التي توصل إليها‏،‏ وأن ندرس ظاهرة الدعاية الرمادية في حياتنا المعاصرة‏،‏ في مجاليها المادي والفكري حتى تحقق ما أرشدنا الله إليه من التمسك بالبيضاء‏،‏ والنهي عن السوداء‏.‏

إن الدعاية الرمادية تشبه إلى حد كبير في المعني النفاق‏،‏ الذي يلبس بين الإيمان والكفر‏، فالمؤمن واضح في دعواه‏،‏ وفي إيمانه يعلنه أمام الناس‏،‏ ويصدق به أمام نفسه‏،‏ والكافر كذلك يعلن عقيدته أمام الناس وأمام نفسه من غير مواربة أو خداع‏،‏ في حين أن المنافق لا تعرف له أساسا‏،‏ يراوغ‏ {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون‏}[‏ البقرة‏:14].‏

فلم يكن قاسيا ولا عنيفا أن يحذر المنافقون من أن نفاقهم يستوجب أشد أنواع العقاب والعذاب‏{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا‏}[‏ النساء‏:145]‏ والله المستعان.

الأهرام 30 يوليو 2007

الأحد، 1 يونيو 2008

الكذب حرام


بقلم:أ.د/ على جمعة

مفتى الديار المصرية

لابد في كل فترة أن نذكر حتى ولو كان ذلك التذكير بأمور تبدو لأول وهلة أنها بدهية‏، قال تعالي‏: {وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين‏} الذاريات‏:55‏. ويروى أن واحدا من الخطباء ظل يحدث الناس عن الصدق‏،‏ ويحذرهم من الكذب دائما في خطبة الجمعة‏،‏ وبصورة أصابت الناس بشيء من الملل،‏ فلمدة أسابيع متتالية وهو يكرر نفس الخطبة‏، ويدعوهم إلى ترك الكذب وإلى التمسك بالصدق‏، فلما ملوا وضاقت عليهم نفوسهم حدثوه في ذلك بأنك قد كررت الأمر بالصدق‏،‏ والنهي عن الكذب‏،‏ فلم لا تنتقل إلى موضوع آخر؟ فقال لهم‏:‏ وهل تركتم الكذب حتى أترك أنا النهي عنه؟‏!‏

وهذه القصة فيها موعظة‏، وهو أن التكرار يجعل النفس تستقر على الصفة التي ندعو إليها‏، وتنفر من الصفة التي ننهى عنها‏، وهو قانون معروف في علم النفس يسمي قانون التكرار يبني عليه كثير من أساليب الإعلان والدعاية‏،‏ حتى سماه بعضهم بالتعرض التراكمي ومن جميل صفات القرآن الكريم أنه أمرنا بدراسة المعصية حتى لا نقع فيها‏،‏ قال تعالى في سورة النساء‏:{انظر كيف يفترون علي الله الكذب وكفى به إثما مبينا‏}‏ النساء‏:50‏ وانظر فعل أمر‏،‏ قد يحمل على النظر البصري في مجال المحسوس‏، وقد يحمل على النظر الاعتباري بالبصيرة والتفكر‏. ‏ودراسة مسألة الكذب قد تبحث عن واقعه‏، وأسبابه‏،‏ ودوافعه‏،‏ وطرق مقاومته‏،‏ وأنواعه‏،‏ وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج‏، ومجالات الكذب‏، وهل يصل إلى حد المرض أو إلى حد الظاهرة الاجتماعية؟ ودراسة ذلك على مستوي الأفراد وعلى مستوى الجماعات والمؤسسات‏، وعلى مستوي المجتمع‏،‏ وأوضاع هذا في مجال السياسة‏،‏ وفي مجال الأعمال والاقتصاد وفي مجال العلاقات الدولية‏، وفي مجال الإعلام ونحو ذلك‏.‏

ومن هنا اهتم المسلمون بدراسة هذه الظاهرة‏، فعرفوا الكذب،‏ وهناك مذاهب ثلاثة‏:‏ الأول يرى أن الكذب هو مخالفة الواقع‏،‏ والثاني يرى أن الكذب هو مخالفة الاعتقاد القائم بنفس المتكلم والثالث يرى أن الكذب هو مخالفة الواقع والاعتقاد معا‏.‏

وهذا المبحث موجود في علم البلاغة‏،‏ وموجود أيضا عرضا في علم المنطق‏، ولكل مذهب من المذاهب الثلاثة مشكلة في التعريف‏، فمن ذهب إلى أنه مخالفة الواقع يرى أنه يوصف بالكذب الخطأ والخطيئة‏،‏ فالخطأ يكون عن غير قصد‏،‏ والخطيئة تكون عن قصد‏.

ويبدو أن هذا هو الذي كانت تميل إليه قريش‏،‏ حيث أنها كانت تطلق الكذب على الخطأ‏، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن سعد بن عبادة قال أثناء فتح مكة‏:‏ اليوم يوم الملحمة‏، قال‏:‏ كذب سعد‏.‏ أي أخطأ سعد‏.‏ أما المذهب الثاني الذي يرى أنه مخالفة الاعتقاد فمعناه أن الملحد إذا قال‏:‏ إن الله موجود‏، يكون كاذبا، لأنه يكون مخالفا لاعتقاده‏، وهو صدق بالاتفاق‏، والمذهب الثالث الذي يرى أن الكذب مخالفة الواقع والاعتقاد معا‏،‏ اعترض عليه بأنه يلزم منه وجود منطقة لا توصف بأنها صدق ولا كذب‏،‏ وهو مالا وجود له في اللغة العربية‏،‏ مثل أن يقول المتكلم شيئا مخالفا للواقع،‏ موافقا لاعتقاده‏، أو مخالفا لاعتقاده، موافقا للواقع‏،‏ فلا يوصف حينئذ لا بصدق ولا بكذب‏،‏ وهذا ما تأباه اللغة العربية مادام الكلام خبرا‏.‏

والنبي صلى الله عليه وسلم‏، فيما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه‏ (‏ كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع‏)‏ رواه مسلم فإذا بهؤلاء يشتدون في الكذب‏،‏ حتى يحولوا كل ما يتخيلون دون أي سماع لأي خبر موثق إلى وهم يعيشون فيه يظنونه الحقيقية‏،‏ فصدق عليهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم‏،‏ حيث يقول‏:(‏ ولا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا‏)‏ رواه البخاري ومسلم وابن حبان واللفظ له وانظر إلى كلمة‏(‏ يتحرى الكذب‏)‏ أي أنه يعشقه ويسر به ويتتبعه وينشئه‏، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏، واللهم أجرنا في مصيبتنا ويقول صلي الله عليه وسلم‏:(‏ وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله‏،‏ ما يظن أن تبلغ ما بلغت‏،‏ فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه‏)‏ رواه البخاري والترمذي واللفظ له وفي لفظ البخاري‏:‏ يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب وذلك لما يترتب عليها من إساءة ومن ضرر علي المستوي العام والخاص‏.‏

ولا ينبغي أن يكون انتشار الكذب مبررا لتعاطيه والتعامل معه علي أنه غير محظور‏، فالكذب قبيح رغم شيوعه في البشر‏، حتى إن آخر الأبحاث ترى أن أشد الناس التزاما بالصدق يقع في الكذب مرتين على الأقل يوميا‏،‏ ومازال الناس في الشرق والغرب ينعون على الكذب‏.‏

والابتعاد عن الكذب وذمه كان من سمات الحضارات التي أظهرت تفوقا وقيادة وريادة على مر التاريخ‏،‏ ففي حضارة أسلافنا التي قادت العالم قرونا طويلة وحضارة الغرب على ما فيها من سلبيات كان الكذب مذموما‏، بل ويمثل عندهم سواء عند السلف أو عند الغرب ـ قيمة سلبية يحاسب عليها من يرتكبها على جميع المستويات‏،‏ ويكون الكذب جريمة أكثر بشاعة إذا ما صدر من مسئول أو متصدر لخدمة الناس‏.‏

ونحن لابد علينا أن نستمر جميعا كحال الخطيب الذي بدأنا به المقال‏، نكرر‏،‏ ونزيد‏،‏ ونعيد في التحذير من الكذب‏،‏ وفي الأمر بالصدق‏، لأن الكذب مهلكة‏،‏ والصدق منجاة‏.‏

الأهرام 23 يوليو 2007


الشيخ علي جمعة: هدف الحوار هو التعايش السلمي


الشيخ علي جمعة: هدف الحوار هو التعايش السلمي وتحقيق السلام والتعاون ورفاهية الإنسان وحرية العقيدة

مفتي الديار المصرية لـ الشرق الاوسط : نريد أن تنشأ الأجيال وتربى على الحقائق وليس على الأوهام


سراييفو: «الشرق الأوسط»
زار فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة البوسنة بدعوة من المشيخة الاسلامية لحضور احتفال الإشهار الرسمي لمجلس الفتوى في البوسنة، وأصدر مع رئيس الجمعية الاسلامية في البوسنة (المشيخة) الدكتور مصطفى تسيريتش بيانا مشتركا حول ما يجري في العالم ولاسيما في الشرق الإسلامي، كما ألقى عدة محاضرات، وقد التقى بحشد من البوسنيين في نهاية الزيارة، حيث أجاب على عدد من الاسئلة حول بعض الفتاوى التي أثارت جدلا وردود أفعال مختلفة في مصر وخارجها، ولاسيما قضية التماثيل، كما جدد تأييده للمقاومة في فلسطين والمقاومة العراقية.

وعن زيارته للبوسنة قال «هذه أول زيارة شخصية لي لدولة البوسنة والهرسك، كما هي أول زيارة لمسؤول في المؤسسة الدينية في مصر لهذه البلاد، ونحن سعداء بهذه الزيارة لإنشاء جسور التعاون بين رئاسة المسلمين في البوسنة والهرسك والمؤسسات الدينية في العالم ولا سيما في العالم الاسلامي». وتابع «نحن نتوخى من هذا العمل فتح باب الحوار بين الثقافات المختلفة والأديان، وهدف الحوار هو التعايش السلمي، وكيف يفهم الواحد منا الآخر، وكيف ننطلق من المشترك بيننا جميعا، من أجل تحقيق هذا التعايش، من أجل تحقيق السلام من أجل تحقيق التعاون ورفاهية الإنسان، وحرية العقيدة وعدم ازدراء الأديان». وعبر عن ألمه لما جرى للمسلمين من مذابح على يد الصرب والكروات نهاية القرن الماضي حيث زار سريبرينتسا التي قتل فيها أكثر من 10 آلاف من المسلمين خلال ثلاثة ايام في يوليو 1995 ، ومقبرة الشهداء في بلوتتشاري «كانت مذبحة بشعة راح ضحيتها آلاف المسلمين في مسلسل الابادة الجماعية التي تعرضوا لها». وقال «قلوبنا يملأها الحزن، منذ زيارة مقبرة الشهداء التي تضم رفات ضحايا الإبادة، لكن مع التجربة البوسنية في تجاوز الازمات والمحن، والعمل على عدم تكرار هذا في أي مكان في العالم، ونحن ندعو المجتمع الدولي إلى التأكيد على معاقبة الذين ارتكبوا هذه الفظائع من أجل عدم تكرارها وليس من أجل الانتقام أو القصاص فقط». وقال «نحن لا نريد أن ننتقم لان ديننا مبني على العفو والتسامح والصفح ولكن التسامح الذي يمنع من تكرار هذه الجرائم والمذابح، وهذا يتأتى بإقرار العقوبة».

> هل البوسنة التي رأيتموها هي التي كانت في ذهنكم قبل وصولكم إلى سراييفو والمناطق التي زرتموها؟

ـ تجاوزت البوسنة محنتها، وبعد أكثر من 10 سنوات من الحرب، فإننا نرى بوسنة أخرى، أكثر تطورا، وأكثر عمرانا. > التقيتم الرئيس البوسني سليمان تيهيتش ورئيس العلماء الدكتور مصطفى تسيريتش، ما الذي لمستموه في هذين اللقاءين؟

ـ لمست في لقائي بالرئيس سليمان تيهيتش والدكتور مصطفى تسيريتش رغبة في إعمار بلدهما، ويريدان أن ينطلقا بها نحو السلام، وهذا الذي لمسناه. > أغلب وسائل الاعلام في الغرب لا تزال تصف عمليات مقاومة الاحتلال على انها ارهاب إسلامي، ما هو دوركم كدعاة للحوار مع الآخر، وحوار الحضارات، وهل مثل هذا الخطأ بتعبيركم يساعد على الحوار؟

ـ يمكنني أن أوضح الصورة الحقيقية، وأن أبين لهم أنه ليس هناك ارهاب إسلامي، وأن الإسلام ليس دين إرهاب، أما لو انعزلت عنهم، ولم أحاورهم فإنهم لن يعرفوا الحقيقة التي بسبب جهلهم وصفوا ما يجري بأنه ارهاب اسلامي وتكلموا بهذه اللغة. وأنا لا أؤيد نظرية المؤامرة، ولكن هناك ما يسمى بمحاولات التأثير على الرأي العام للانقياد للخيارات البديلة، أو ما يسمى «دوميستريشن إيفيكت»، عندما يعرض أحدهم شيئا يتأثر الآخر به، هذا تأثير العرض، هو السبب. مع عدم المعرفة بحقيقة الاسلام يحدث الاعتداء اللفظي والإعلامي وغيره على الإسلام والمسلمين. ولا يعني هذا أنه لا يوجد من يحارب الإسلام، ويعتبره عدوا ولكنهم قلة، وينبغي علينا أن نواجههم ونقول لا يوجد صراع حضارات وإنما حوار حضارات، ونؤكد هذا بالفعل، يوجد اليمين المتطرف، يوجد النازيون الجدد، وكل أنواع البشر، ولكن يجب أن لا نستسلم للتطرف الموجه ضد الاسلام والمسلمين. > في خضم الأحداث الجارية والمتسارعة يتساءل الكثير من المسلمين في مشارق الارض ومغاربها عن دور الأزهر، ويعتقدون أن الأزهر غائب عن الاحداث، بماذا تفسرون ذلك؟

ـ الأزهر مؤسسة عريقة، منذ ألف عام، وقد كان عندنا منذ 40 سنة 5 معاهد ارتقت إلى 10، الآن عندنا 7500 معهد، وكان عندنا 3 كليات، الآن عندنا 72 كلية، وكان طلبة الازهر لا يتجاوزون 4500 الآن نصف مليون. أي أكبر من جامعة هارفارد مرتين، أكبر من جامعة أكسفورد، الأزهر موجود، وسيظل موجودا ولكن نتعامل مع عالم متغير ونريد المزيد من العمل والمزيد من الأدوار والتأثير والإشعاع، الأزهر يقوم بدوره ونسعى للمزيد من التطوير ولكن من الظلم أن نقول إن الازهر لا يقوم بدوره، بل يجب القول إن الأزهر يقوم بدوره ونطالب بالمزيد من الجهود والجهود والعمل.

> انتقدتم في وقت سابق دور الامم المتحدة، حيال قضايا المسلمين ولا سيما في فلسطين وعدد من الاقطار التي يمثل المسلمون فيها الأغلبية، أو هم أقلية في غيرها من البلدان، كيف تقرأون الأوضاع هناك؟

ـ نحن ندعو الأمم المتحدة والجهات الدولية المختلفة للتعامل مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بالعدل والإنصاف، فلا يمكن معاقبة دول لأنها غير ديمقراطية ومعاقبة الشعب الفلسطيني لانه مارس الديمقراطية التي يدعون إليها. البعض يقول إن العدل مسألة نسبية ولا نريد أن نكون عادلين، وأن العدل هو القوة، بطريقة أخرى يقولون إن الضعيف فقط من يطالب بالعدل، وهذا المذهب غير اخلاقي ومدمر للبشرية، ونحن نقول العدل عدل والإنصاف إنصاف، ويجب أن نكون منصفين في تناولنا للقضايا. > هل ما زلتم تؤيدون المقاومة في فلسطين والمقاومة العراقية، حيث صدرت عنكم فتاوى تؤيد ذلك في السابق، هل ما زلتم على هذا الرأي؟

ـ هذه الأوضاع يجب أن نعاملها بإنصاف، لا ينبغي التعجل في الحكم على من يكافح من أجل تحرير وطنه على انه إرهابي، ومن حقي وواجبي بحكم مسؤوليتي أن أقول هذا. وأنا أطالب بالإنصاف في معالجة القضايا وهذا الذي صدر مني. وموقفي واحد لم يتغير.

> ما رأيكم بزواج المسيار؟

ـ الزواج له أركان، فإذا توفرت الأركان فهو حلال. وإذا لم تتوفر الأركان فهو باطل. وهذه التسمية تطلق أحيانا على زواج يعتبر صحيحا، فهو مستوف للأركان، والبعض يطلقها على زواج غير صحيح لأنه لم يستوف أركانه. > هل تتحفظون على زواج المسيار؟

ـ لا.

> توافقون عليه؟

ـ لا أيضا.

> إذن..؟

ـ بين نعم ولا مراحل كثيرة، وبين الأسود والأبيض مراحل كثيرة أيضا، ليس لي علاقة بالاسم، فانا أريد زواجا يستوفي الاركان الشرعية، سواء سميته المسيار أو غيره. فلو فرضنا أن قلت إنه صحيح، وهو في ذهن البعض زواج السر، فلا يكون صحيحا، ونسقط في عمى المصطلحات، أنا أريد الرجوع إلى أصل الشريعة لأن الزواج له أركان، من استوفاها كان زواجه صحيحا. > كلمة أخيرة ؟

ـ «اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون».

الشرق الاوسط 6 يوليو 2006

ذبح العلماء


بقلم‏:‏د‏.‏ علي جمعة
مفتي الديار المصرية

عرفت البشرية علي مر عصورها تصرفا سلبيا وهو‏[‏ ذبح العلماء‏]، ولم تختص أمة بذلك‏،‏ بل كانت سمة جعلت الناس ينشئون الأمثال السارية كنوع من أنواع التعبير عن الحكمة التي تتصل بالحياة‏،‏ وقبل ذلك قتلوا النبيين‏،‏ والمرسلين‏، ولكن الله سبحانه وتعالي نصرهم‏،‏ وأيد هؤلاء العلماء‏، ونفع بهم البشرية عبر العصور‏.‏

قال تعالى‏:‏ {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}‏[‏ البقرة‏:87]، وعن ابن عباس قال‏:‏ ذكر خالد بن سنان للنبي صلي الله عليه وسلم‏، فقال‏:‏ ذاك نبي ضيعه قومه‏[‏ رواه الطبراني في الكبير‏].‏

ونتذكر جميعا ما حدث لجاليليو‏:‏ حيث أثبت ثبات الشمس‏،‏ ودوران الأرض‏، فاعترض عليه‏، ولم يحسن حينئذ بيان برهانه التام‏،‏ حتى إنه وافق علي حرق كتبه‏،‏ ولدينا في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة في هذا المعنى،‏ فقد ورد أن الإمام البخاري صاحب الصحيح الذي وصف بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله من حيث الضبط والنقل والتوثيق‏، قد دعا علي نفسه قبل أن يموت بأيام‏، وضاقت عليه الأرض بما رحبت‏،‏ في نزاع بينه وبين محمد بن يحيي الذهلي‏،‏ حيث كانت قد اشتدت الخصومة بينهما‏، مما سبب له ترك المدينة‏، ولم يكن البخاري رحمه الله تعالي معتادا علي ذلك‏،‏ فلم يتحمل لشفافيته ورقة قلبه هذا النوع من الصدام،‏ وانسحب تاركا وراءه جهده الرصين الجبار الذي استمر هذه السنين الطوال مرجعا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،‏ ومثالا لتطبيق المنهج العلمي‏، وللنية الخالصة‏،‏ وللهمة العالية‏، وأثر ذلك في بقاء الأعمال‏، ونفعها لأفراد الناس وجماعاتهم‏،‏ ومجتمعاتهم‏.‏

وفي القرن السادس الهجري كان الشيخ عبد القادر الجيلاني تنسب إليه بعض القصص الجديرة بالاعتبار ـ وإن كنا لم نحقق توثيقها له في ذاتها ـ منها أنه كان يحضر له نحو أربعين ألفا لسماع موعظته الحسنة التي خالطت القلوب‏،‏ ورفع بعض الواشين أمره إلي الحاكم بأن عبد القادر أصبح خطرا علي الناس،‏ فإنه يأتمر بأمره أربعون ألفا‏،‏ ولما استدعاه الخليفة في بغداد‏، وكلمه في ذلك ضحك الشيخ‏، وقال‏:‏ أنا أظن أن معي واحدا ونصفا‏،‏ ولنختبر ذلك مولاي‏،‏ فأرسل غدا الشرطة أثناء الدرس بعد العصر تطلبني أمام الناس‏.‏

فأرسل الخليفة رجال شرطته‏،‏ وطلبوا الشيخ بطريقة عنيفة‏، فر معها أكثر الحاضرين‏، وأصر اثنان علي أن يصحبا الشيخ‏، حتى إذا ما جاءوا إلي قصر الخليفة تخلف أحدهم ينتظر الشيخ عند الباب، ودخل آخر‏،‏ فقال له الخليفة‏:‏ ماذا حدث ؟ قال‏:‏ لم يبق معي إلا كما قلت لك واحد ونصف‏،‏ هذا واحد معي،‏ والآخر خاف من الدخول فانتظر عند الباب‏.

وذهب الواشون وذهب عصرهم لا نعرف أسماءهم وبقي الشيخ عبد القادر عبر القرون قد أذن الله أن يجعل كلماته نبراسا يستضاء به‏،‏ وهداية في الطريق إلي الله‏.‏ بقي عبد القادر وفني خصومه‏.‏

وفي القرن الثالث عشر الهجري وجدنا الشيخ خالد النقشبندي وهو يربي الناس بالشريعة والحقيقة والطريقة في السليمانية بأرض العراق بعد أن بلغ الغاية في علم الشريعة‏، وفي تربية الناس‏، وجدنا الحاسدين والحاقدين يلومونه‏، ويتهمونه بأنه ساحر من أجل الشعبية الجارفة التي حققها‏،‏ ومن أجل معقولية كلامه ومنطقه مما اضطره لأن يغادر بلاده ووطنه ويذهب إلي الشام‏،‏ ويعيش بها فيربي أجيالا حتى يتوفي بدمشق‏،‏ ومازال قبره ظاهرا يزار إلي الآن‏.‏

لا نعرف من هؤلاء الذين عادوا الشيخ خالد ذا الجناحين‏،‏ جناح الشريعة‏،‏ وجناح التربية‏، وكأنه سمي بذلك لأنه قد حلق بهما كالطير في سماء التقوى، وفي سماء الصفاء والنقاء‏،‏ لقد ذهب ذلك العصر‏، وبقي الشيخ خالد النقشبندي بعلمه‏، وفضله‏، وتأثيره‏، وبإخلاصه‏، وعلو همته‏،‏ وتقواه في الناس‏، فله كتاب في العقائد‏،‏ وله رسائل جمعت في كتاب سمي‏(‏ بغية الواجب في مكتوبات سيدي خالد‏]‏ ولقد دافع عنه فقيه الحنفية‏،‏ وعمدة المتأخرين ابن عابدين في رسالة أسماها‏[‏ سل الحسام الهندي في نصرة سيدي خالد النقشبندي‏]‏ رد فيه علي معارضيه‏، وفند أقاويلهم الباطلة‏، لكن القضية تتمثل في أن ذكره قد بقي‏،‏ وأن مخالفه قد فني‏.‏

وحدث مثل هذا أيضا مع الشيخ محمد عبده‏، فنري هجوما شرسا عليه‏،‏ وكانت هناك جريدة‏(‏ حمارة منيتي‏)‏ تهاجم الإمام في جل أعدادها حتى كان بائع الجرائد ينادي عليها ـ كما أخبرنا بذلك مشايخنا الذين شاهدوها شفاهة ـ علي باب المزينين بالأزهر‏،‏ وعند خروج الشيخ وتلامذته من درسه‏، ينادي البائع‏:(‏ المفتي والحمارة‏)‏ فكان الشيخ يبتسم ويعطيه جنيها ذهبيا ليشتري منه جريدة لا يزيد ثمنها علي عدة ملاليم‏،‏ ويسكت الرجل حتى ينتهي من صرف الجنيه ذلك الثروة الكبيرة حينئذ‏،‏ وبعد شهر أو شهرين يعاود النداء فيقول له الشيخ‏:‏ هل نفد المال ؟ ويعطيه جنيها آخر مبتسما‏، وكان الشيخ يهاجم بسبب خصومة دبت بينه وبين الخديو لأنه رفض استبدال وقف له بدون مقابل‏،‏ وهاجت الصحف علي الشيخ محمد عبده‏، فأين ذهبت ؟ وهل يسمع الناس بها ؟ وظل محمد عبده إماما له مدرسة في التجديد والإصلاح لا يزال الناس يذكرونها ويحتفلون بها حتى يومنا هذا‏.‏

من مجمل ذلك ونحوه ـ وهو أمر مطرد إلي يوم الناس هذا ـ رأينا الأمثال تقول‏:‏ زامر الحي لا يطرب‏.‏ ورأينا العلماء يقولون‏:‏ المعاصرة حجاب‏.‏

الأهرام 16 يوليو 2007

الأسماء والمسميات

بقلم: د. على جمعة

مفتى الديار المصرية

الاهتمام بالأسماء والمسميات له أثر كبير في عقلية المجتمع‏،‏ وفيما يتبناه الناس‏، وفي تكيف العلاقات‏،‏ ولذلك أمرنا في الشريعة بألا نتلاعب بالأسماء في مقابل المسميات والمعاني‏،‏ يقول ربنا سبحانه وتعالى ـ وهو يحذر من الشرك ومن الوقوع فيه‏، بناء على التلاعب بالأسماء ـ‏: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى‏}(‏ النجم‏:23).‏

ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه العلة سوف تصيب أمته‏،‏ وأن بعض الناس سوف يستحلون الحرام بناء على تلاعبهم بهذه القضية‏،‏ فقد ثبت أن أبا مسلم الخولاني حج‏,‏ فدخل على عائشة ـ زوج النبي صلي الله عليه وسلم ـ فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها‏،‏ فجعل يخبرها‏،‏ فقالت‏:‏ كيف يصبرون على بردها ؟ قال‏:‏ يا أم المؤمنين‏،‏ إنهم يشربون شرابا لهم يقال له الطلا‏.‏ قالت‏:‏ صدق الله‏،‏ وبلغ حبي صلى الله عليه وسلم‏، سمعته يقول‏:‏ إن ناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ‏(‏ أخرجه الحاكم في المستدرك وقال على شرط الشيخين‏).‏

ولقد بدأ يشيع في مجتمعنا شيء من عدم ضبط الأسماء‏، مما يترتب عليه استحلال الحرام‏،‏ وشيوع الفساد‏، وقبول الفاحشة‏،‏ وهو ما يهدد السلام الاجتماعي‏،‏ وعلاقة الإنسان في سلامه مع ربه‏،‏ باستهانة غريبة عجيبة يحاول فيها بعض المتصدرين بأن يشرع للناس بتجربته الخاصة وهواه أيا ما كان نوع هذا الهوى‏،‏ وأن يحدد له معيار القبول والرد‏،‏ حتى دخل فيمن قال الله فيهم‏ {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون‏}(‏ الجاثية‏:23)‏

وهذا النوع من الناس قال الله فيه‏ {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا‏} (‏ الفرقان‏:43).‏ لأن التلاعب بالأسماء يقطع التواصل الثقافي‏، ويحدث حالة‏(‏ حوار الطرشان‏)‏ ومن أمثلة ذلك‏:‏

1- تسمية الزنا بالعلاقة‏،‏ فنرى في برامج كثيرة تذاع على الهواء مباشرة تتكلم البنت ويتكلم الولد عن أن بينهما علاقة‏، وعندما نستمع إلى نهاية الحديث يتبين أنها زنا صريح‏، نشأ منه في بعض الأحيان حمل‏،‏ ويسمى الزنا عندهم أيضا بالحب، والحميمية‏،‏ وبالارتباط، وفي كل هذه الأسماء محاولة للبعد عن المردود السمعي السلبي القبيح لكلمة الزنا التي تنفر منها النفوس‏، وترتبط ارتباطا واضحا بكلمة الفاحشة‏،‏ وبما لها أيضا من دلالة يلزم معها البعد عنها واستنكارها‏.‏

2- تسمية العدوان على الأنثى ختانا‏،‏ حتى إن كثيرا من الناس قد مرر عليه هذا‏،‏ وظن أن العدوان على الأنثى الذي يحدث بمصر يندرج تحت الختان الذي هو فطرة باتفاق المسلمين في حق الذكر‏،‏ وشاع هذا حتى صار كالمسلمات‏،‏ واستحل بموجبه العدوان المستوجب للقصاص‏، وذلك لعدم مراجعة شروط عادة ختان الإناث قديما‏،‏ وذلك لأنهم اشترطوا فيها القطع الذي بمعنى الشق دون الاستئصال كما يقول الماوردي فيما نقله عنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري‏:340/10,‏ وأيده النووي أيضا في المجموع‏148/3،‏ فعبر بالقطع دون الاستئصال‏.‏

ومعنى هذا أن تلك العادة حتى تطبق على وجهها يجب أن يقوم بها ليس كل طبيب‏، ولا كل جراح‏، بل خبير متخصص في هذه الجراحة وفي هذا الموضع الدقيق الحساس‏، وكل ذلك من أجل استمرار عادة تغير حالها بتغير موضوعها كما يقول الأصوليون والفقهاء‏،‏ فهذه العادة كانت توجد والملابس واسعة، والإثارة قليلة‏،‏ والإنسان يتصل بالكون أكثر،‏ جسده لا يتأثر بتلوث بيئي منتشر‏، وبالرغم من ذلك لم تكن شائعة في المشارق ولا في المغارب دون مصر وبعض بلاد إفريقيا،‏ فلما تغيرت البيئة وكثر التلوث وضاقت الملابس‏، وكثرت الإثارة، واعتمد الناس على السيارات والطيارات‏، وتقارب الزمان‏،‏ وتغير العلاج‏،‏ فأصبح بالمواد الكيماوية دون الطبيعة أجمع الأطباء على ضررها في حق الإناث‏،‏ وعلى أنها لم تعد على حالها القديم‏،‏ فإطلاق اسم الختان عليها تلبيس وتدليس نضطر إليه لشيوع اللفظ‏،‏ لا لترتيب الأحكام‏.‏

والمرجو من العلماء ومن المفكرين في الشرع وفي الطب وفي الاجتماع البشري أن يقفوا يدا واحدة للقضاء على هذه العادة الذميمة‏، غير ملتفتين لمن يريد أن يسحب ما في الكتب على واقع قد تغير‏، غير عابئين بكل المعاني الأخرى،‏ وهذا تلاعب بالأسماء بإزاء المسميات‏.‏ قد لا يكون مقصودا وقد يكون مقصودا‏.‏

3- وتأكيدا على هذا المعني نقول إنه لم يصح حديث في هذا‏،‏ قال شمس الحق العظيم آبادي في‏(‏ عون المعبود‏)126/14:‏ وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت‏.

ويقول الشوكاني في‏(‏ نيل الأوطار‏)191/1:‏ ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به‏،‏ فهو لا حجة فيه على المطلوب‏,‏ وقال ابن المنذر‏:‏ ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع‏.‏ وأكد هذا لفهم جماعة من العلماء المعاصرين منهم الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء في مقال له في مجلة الأزهر عدد ‏24‏ لسنة‏1952،‏ وهذا ما ذهب إليه كذلك فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي‏،‏ وهو ما ذهب إليه مجمع البحوث الإسلامية بجلسته بتاريخ‏2007/6/28‏ حيث رأي ضرورة تنظيم حملة إرشادية وإعلامية تحذر المواطنين من ممارسة هذه العادة الضارة‏.

هذا كله يوضح حقيقة المسألة‏، وطبيعتها فيما نحن فيه من تغيرات بيئية‏،‏ نسأل الله أن يلهمنا صوابنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.

الأهرام 9 يوليو 2007

الخميس، 29 مايو 2008

أئمتنا العلماء بقلم الدكتور علي جمعة



بقلم‏:‏ د‏.‏ علي جمعة
مفتي الديار المصرية

تميزت مصر بوجود العلماء فيها منذ الفتح الإسلامي وإلى يومنا هذا‏،‏ والعلماء المصريون كانوا حريصين دائما على العلم ومنهجه الدقيق‏،‏ وكان من كبار علماء الصحابة عبد الله بن عمرو بن العاص‏،‏ الذي عاش ومات في مصر‏،‏ وتميز بدقة روايته للحديث النبوي الشريف‏، وكان عبد الله من العابدين الأتقياء‏،‏ من أهل القرن الأول الهجري‏،‏ والربط بين العلم والتقوى نجده في قوله تعالى‏:(‏ واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم‏) {البقرة‏:282}

فالعلم ليس مجموعة من المعلومات فحسب‏،‏ بل هو أيضا تقوى،‏ وخوف من الله‏،‏ ونية صادقة لنفع النفس‏، وكان سيدنا عبد الله بن مسعود يقول‏:‏ ليس العلم بكثرة الرواية‏،‏ ولكن العلم الخشية ‏(‏ حلية الأولياء‏،‏ وصفوة الصفوة‏)‏ وهو كلام يفتح آفاق البحث العلمي إلى أقصي الحدود بحيث لا يكون هناك قيد عليه‏،‏ وفي نفس الوقت يضع الضوابط الأخلاقية على استعمال النتائج التي توصلنا إليها من هذا البحث العلمي‏،‏ بحيث أن يكون نافعا للخلق‏،‏ معمرا للكون‏.‏

ومن الأئمة الأعلام المصريين الذين ماتوا بمصر ‏(‏ توفي سنة‏205‏ هجرية‏)‏ وساهموا في رسم المنهج العلمي وتأكيده كان الإمام الشافعي‏-‏ رضي الله تعالي عنه‏-‏ وهو الذى كان يقول‏:‏

أخي لن تنال العلم إلا بستة
سأنبيك عن تأويلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة
وصحبة أستاذ وطول زمان

وهو الذي وضع أصول الفقه‏، وأصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالا‏،‏ وكيفية الاستفادة منها‏، وحال المستفيد‏، وهي الثلاثة الأركان التي تكون أي منهج علمي لدراسة أي علم كان‏:‏ معرفة المصادر‏،‏ وطرق البحث بما تشتمل على أدوات وسياقات‏،‏ وشروط الباحث‏.‏ والمنهج العلمي بهذه النظرة كانت له مجالات مختلفة‏،‏ فهناك مجال العلوم العقلية‏، وهناك مجال العلوم الحسية التجريبية‏،‏ وهناك مجال العلوم النقلية‏،‏ وهناك مجال العلوم الشرعية‏، لكن الأمر يوصف بأنه علم عندما تحدد مصادره وطرق بحثه‏،‏ وشروط باحثه‏،‏ ومن خلال شروط الباحث نجد بيانا للعلوم المساعدة التي ينبغي أن يدركها ذلك الباحث لتصب في علمه الأصيل‏، وتخصصه الدقيق‏.

وكتاب الرسالة للإمام الشافعي جاء فتحا جديدا في هذا المضمار‏،‏ وتلخيصا للعمليات العقلية التي كان يتناقلها الطلبة عن أساتذتهم بصورة عفوية وملكات تجريبية من المعاشرة وطول العشرة والمجاورة‏، ولكن الإمام الشافعي نجح في تقعيدها وصياغتها بصورة قابلة للتعلم وللتراكم المعرفي، وللزيادة فيه‏، والانطلاق به‏.‏

وتعد عملية صياغة العمليات العقلية من أهم عمليات حفظ المجهود البشري المجهول في العلوم، أن يحول الفكر والملكة إلى صياغات علمية دقيقة قابلة للنقل والتدريس والمناقشة والزيادة والتطوير‏.‏

ثم رأينا في القرن التاسع الهجري أمير المؤمنين فى الحديث أحمد بن حجر العسقلاني‏، المتوفى سنة‏852‏ هجرية‏، والذي كان آية غريبة في الحفظ‏،‏ وفي الوصل بين المعلومات‏،‏ وفي استنباط المعاني‏، والتحرير والتحقيق‏،‏ بحيث استحق أن يسمي أميرا للمؤمنين في علم الحديث‏.‏ وألف كتابه الماتع‏ (‏ فتح الباري في شرح صحيح البخاري‏)‏ وقدم له بمقدمة طالت منه حتى بلغت مجلدين فسماها ‏(‏ هدي الساري‏)‏ ناقش فيها منهجه في التأليف‏، وعوائق هذا المنهج ومشكلاته‏، والحلول المقترحة التي قدمها‏،‏ والإشكالات التي اكتنفت صحيح البخاري مع الإجابة عنها‏، وغير ذلك من تطبيق واع للمنهج العلمي الذي تركه الأسلاف‏.

ولكن ظاهرة الإمام ابن حجر العسقلاني كشفت عن أهمية دور الأستاذ في بناء التلميذ‏،‏ وعن دور المكتبات في شيوع العلم‏، وعند دور الاهتمام بالعملية التعليمية بأركانها جميعا في الوصول إلى الرصانة‏، فلقد درس اللغة على الفيروز آبادي صاحب‏ (‏ القاموس المحيط والقاموس الوسيط فيما ذهب من لغة العرب شناطيط‏)، ولقد بلغ القاموس المحيط من الدقة والاستيعاب إلى الحد الذي أصبح معه هذا الاسم دالا على أي معجم في لغتنا المعاصرة‏،‏ فإن القاموس في أصل اللغة هو وسط البحر‏،‏ وتتلمذ ابن حجر أيضا على الإمام ولي الدين عبد الرحيم العراقي‏،‏ إمام أهل الحديث‏ (‏ توفي بمصر سنة‏806‏ هجرية‏).‏ وغيرهم كثير ذكرهم في كتابه‏ (‏ معجم السفر‏)‏ الذي يؤكد أهمية البعثات العلمية وعلى الرحلة في طلب العلم‏.‏

والملاحظ في سير هؤلاء أن المرأة كانت موجودة في حياتهم العلمية كأستاذة ذات وجود ملحوظ‏,‏ فالإمام الشافعي تذكره السيدة نفيسة‏، فتقول‏:‏ كان رجلا يحسن الوضوء وهي إشارة إلى ربط العلم بالتقوى كما قدمنا‏،‏ والإمام ابن حجر نجد في أشياخه أكثر من خمسين امرأة قد درس عليها‏.‏

ونجد في القرن الثالث عشر الإمام حسن العطار شيخ الأزهر‏،‏ وهو الذي أوصى رفاعة رافع الطهطاوي أن يصف له كل شيء يراه في فرنسا حتى يكتشف منه ما الذي ينقص الشرق‏، وكيف وصل هؤلاء كما رآهم بعينيه في الحملة الفرنسية‏،‏ إلى هذه الدقة العلمية والقوة والعسكرية‏،‏ وأرسل إليه رفاعة الطهطاوي رسائل يصف له فيها آداب المائدة، وأحوال الشاعر‏،‏ والعلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة‏،‏ وكل ما خطر في باله أن يصفه لشيخه‏.

ولقد شكل الشيخ حسن العطار حوزة علمية بالأزهر جمع فيها نخباء طلبته‏،‏ وأخذ يدرس لهم الرؤية الكلية مربوطة بالأحكام الجزئية وهي طريقة لم تكن معروفة في هذا العصر‏،‏ ومن هؤلاء الطلبة كان أشياخ الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية‏،‏ الذي كان يدرس بمنزله ‏(‏ الشفا‏)‏ لابن سينا في طبعته بالعجم في أكثر من عشرين مجلدا‏،‏ وكان يدرس أيضا‏ (‏الأوراق‏)‏ للقطب الشيرازي لكبار علماء الأزهر‏.‏

كان الشيخ بخيت آية من آيات العلم،‏ لم ينفصل عن واقعه ولا عن عصره وتولى الإفتاء من سنة ‏1914:1920‏ ميلادية ثم بعد ذلك شارك في وضع دستور‏1923‏ ميلادية‏.‏ فرحم الله الجميع وألحقنا بهم على الإيمان‏.

الأهرام 2 يوليو 2007

العقل العلمي عند المسلمين


بقلم‏:‏د‏.‏ علي جمعة
مفتي الديار المصرية

يتميز العقل العلمي عند المسلمين بأنه حريص على تحديد مصادر المعرفة‏،‏ والتفرقة الدقيقة بين مجالاتها المختلفة‏،‏ هناك المجال الحسي كالكيمياء والطبيعة‏،‏ يختلف عن المجال العقلي كالرياضيات وهو بدوره يختلف عن المجال النقلي كشأن اللغة‏، والشريعة‏،‏ وقد تتداخل هذه المجالات كما هو الشأن في العلوم الاجتماعية والإنسانية‏،‏ ولكل مجال منهج بحثه‏،‏ وترتيب أدلته‏.‏ ويحرص العقل العلمي أيضا على تحديد طرق البحث وشروط الباحث‏،‏ وترتيب الأدلة‏،‏ والرؤية الكلية‏،‏ وعدم إهمال الجزئيات،‏ وتأصيل المسائل،‏ وتفصيلها‏،‏ ووضع المصطلحات بإزاء المفاهيم، والاعتماد على الحقائق دون الانطباعات والرغبات والأوهام‏.‏

بخلاف ذلك يكون العقل الخرافي الذي ينكر أول ما ينكر حجية المصادر، وهذا ناتج في غالب الأحيان من الجهل‏،‏ وفي بعض الأحيان من الهوى،‏ ومعرفة أن الالتزام بالمصادر سوف يكون ثقيلا على نفس المنكر‏،‏ كما أن العقل الخرافي ينكر ثانيا طرق البحث،‏ ومن هنا يختلط عنده العلم بالممارسة،‏ يعترف في ظاهر القول بالعلم ويدعو إليه، ولكنه بمفهوم آخر يقصره على المجال الحسي‏،ويجعل ما فوق الحس شيئا مختلفا وليس علما‏،‏ مرة يسميه بالإيمان ومرة يسميه بالعقل الخرافي،‏ وهذا نتيجة خطأ في تعريف العلم‏، وفي إدراك مجالاته وتطرق بحثه‏.‏

ويتميز العقل الخرافي ثالثا بإنكار التخصص‏، وإذا اعترف به بلسانه لا يعترف في عقيدته‏،‏ وحاله‏.‏ ورابعا يهرب العقل الخرافي من الأدلة‏،‏ ومن البحث عنها وفيها‏،‏ لأن ذلك يحتاج إلي علم هو يفتقده‏،‏ وإلى جهد ووقت ليس متاحا له‏، ‏ويعتمد على الشبهات والله سبحانه وتعالى يقول‏:(‏ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا‏)(‏ الإسراء‏:36).‏

كما أن العقل الخرافي خامسا هو عقل مجتزأ،‏ يفصل المسائل عن أصولها‏، ويفصلها أيضا عن علاقتها بغيرها‏،‏ ويفصلها عن مآلها‏,‏ ويفصلها عن دليلها‏، وهذا العقل الذي اجتزأ المسألة كثيرا ما نواجهه بمثال ذلك الذي قرأ‏:(‏فويل للمصلين‏)‏ ولم يتم وقرأ ‏(‏لا تقربوا الصلاة‏)‏ ولم يكمل،‏ وهو موجود في كل زمان ومكان‏..‏

ومن خصائص العقل الخرافي سادسا التداعي‏,‏ بتصور لزوم ما لا يلزم‏،‏ وهو ما يغبش عليه فهم المسائل‏،‏ ودراستها‏، وسابعا التعميم وهو ما يسمى بالشغب‏،‏ وفيه حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ من قال هلك الناس فهو أهلكهم والصفة الثامنة للعقلية الخرافية‏:‏ الخلط بين المصطلحات‏،‏ التلبيس في المفاهيم إنه يشعر بلذة عظيمة عندما يمارس ذلك‏، وتغبش عليه هذه الطريقة الحقائق البسيطة الواضحة ‏(لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون‏) (‏ آل عمران‏:71)

وهو تاسعا يعتمد على الأوهام‏،‏ وعلى الانطباعات‏،‏ وعلى الرغبات‏،‏ ويعتمد على ما درج عليه ونشأ فيه‏، ولذلك يرى نفسه أنه هو الحق المطلق،‏ قال تعالى:(‏ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون‏)(‏ الجاثية‏:23)‏ ويقول سبحانه وتعالي‏:(‏بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون‏).

إن أسباب الاشتغال بالخرافة خاصة عند بعض الكاتبين‏،‏ وليس في عموم الناس هو تبسيط المركب‏،‏ وكذلك الاستسهال،‏ والاستهانة‏، وشيء كثير من الكبر‏، والوهم‏، وهذه الصفات صفات نقص لا تؤدي أبدا لا إلى الخير‏، ولا إلى النجاح‏،‏ ولو أنها شاعت في أوساط الباحثين‏،‏ والكاتبين لمثلت ظاهرة جد خطيرة يجب علينا جميعا أن نقاومها وأن نعيد الأمر إلى نصابه‏.‏

فإن عقلية الخرافة سوف تؤدي حتما وبلا تردد إلي السطحية التي ينهار معها البناء الفكري، والفكر المستقيم‏،‏ حيث إن البناء الفكري والفكر المستقيم لا يقوم إلا على أسس عميقة قوية‏،‏ ولا يمكن أن يقوم على وجه السطح بهذه السطحية المفرطة‏، ان العقلية الخرافية سوف تؤدي إلى التناقض‏، فمرة نوافق‏،‏ ومرة نرفض بدعوى أننا كنا جاهلين أول الأمر‏، ‏هذا التناقض لا علاقة له بتغير المواقع مع تغير الزمان أو المكان أو الأشخاص أو الأحوال أو كم المعلومات أو ظهور أهداف جديدة‏، والعقلية الخرافية تؤدي أيضا إلى شيء من الإعجاب بالرأي والتشويش علي الحق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏إذا رأيت شحا مطاعا‏،‏ وهوى متبعا،‏ ودنيا مؤثرة‏،‏ وإعجاب كل ذي رأي برأيه‏، فعليك بخاصة نفسك‏،‏ ودع عنك أمر العامة ‏(‏ رواه ابن ماجه في سننه‏).‏

وتؤدي العقلية الخرافية أيضا إلي الجهل‏,‏ وإلي العجز وعدم القدرة علي تغيير الواقع‏,‏ وهي عقلية دائمة السخرية‏,‏ والتلبيس والكذب‏,‏ والعناد‏,‏ والجدل‏,‏ وكل صفات نهي الله عنها فقال‏:(‏ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لاتعلمون‏)(‏آل عمران‏:66)‏ وقال‏:(‏ إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون‏*‏ وإذا مروا بهم يتغامزون‏*‏ وإذا انقلبوا إلي أهلهم انقلبوا فكهين‏*‏ وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون‏*‏ وما أرسلوا عليهم حافظين‏*‏ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون‏).‏

وقال سبحانه‏:(‏ويقولون علي الله الكذب وهم يعلمون‏)(‏آل عمران‏:75).‏ وقال‏:(‏والله يشهد إنهم لكاذبون‏)(‏التوبة‏:107)‏ وقال‏:(‏وكان الإنسان أكثر شيء جدلا‏)(‏ الكهف‏:54).‏

وقال في شأن هذه العقلية الخرافية‏:(‏لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون‏)(‏فصلت‏:26).

وقال على لسان تلك العقلية‏:(‏قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون‏)(‏الأعراف‏:76)‏

حقا إن العقلية الخرافية مقززة ومن هنا يتولد الإرهاب الفكري‏،‏ وعدم قبول الآخر‏،‏ وعدم الاستماع بوعي لرأي يقال‏، فاللهم أجرنا في مصيبتنا‏، وإنا لله وإنا إليه راجعون‏، وليس لنا إلا أن ندعوا جميعا لهذه العقلية‏.‏

الأهرام 25 يونيو 2007