
بقلم: د. على جمعة
مفتى الديار المصرية
الاهتمام بالأسماء والمسميات له أثر كبير في عقلية المجتمع، وفيما يتبناه الناس، وفي تكيف العلاقات، ولذلك أمرنا في الشريعة بألا نتلاعب بالأسماء في مقابل المسميات والمعاني، يقول ربنا سبحانه وتعالى ـ وهو يحذر من الشرك ومن الوقوع فيه، بناء على التلاعب بالأسماء ـ: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى}( النجم:23).
ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه العلة سوف تصيب أمته، وأن بعض الناس سوف يستحلون الحرام بناء على تلاعبهم بهذه القضية، فقد ثبت أن أبا مسلم الخولاني حج, فدخل على عائشة ـ زوج النبي صلي الله عليه وسلم ـ فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها، فجعل يخبرها، فقالت: كيف يصبرون على بردها ؟ قال: يا أم المؤمنين، إنهم يشربون شرابا لهم يقال له الطلا. قالت: صدق الله، وبلغ حبي صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: إن ناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ( أخرجه الحاكم في المستدرك وقال على شرط الشيخين).
ولقد بدأ يشيع في مجتمعنا شيء من عدم ضبط الأسماء، مما يترتب عليه استحلال الحرام، وشيوع الفساد، وقبول الفاحشة، وهو ما يهدد السلام الاجتماعي، وعلاقة الإنسان في سلامه مع ربه، باستهانة غريبة عجيبة يحاول فيها بعض المتصدرين بأن يشرع للناس بتجربته الخاصة وهواه أيا ما كان نوع هذا الهوى، وأن يحدد له معيار القبول والرد، حتى دخل فيمن قال الله فيهم {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون}( الجاثية:23)
وهذا النوع من الناس قال الله فيه {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} ( الفرقان:43). لأن التلاعب بالأسماء يقطع التواصل الثقافي، ويحدث حالة( حوار الطرشان) ومن أمثلة ذلك:
1- تسمية الزنا بالعلاقة، فنرى في برامج كثيرة تذاع على الهواء مباشرة تتكلم البنت ويتكلم الولد عن أن بينهما علاقة، وعندما نستمع إلى نهاية الحديث يتبين أنها زنا صريح، نشأ منه في بعض الأحيان حمل، ويسمى الزنا عندهم أيضا بالحب، والحميمية، وبالارتباط، وفي كل هذه الأسماء محاولة للبعد عن المردود السمعي السلبي القبيح لكلمة الزنا التي تنفر منها النفوس، وترتبط ارتباطا واضحا بكلمة الفاحشة، وبما لها أيضا من دلالة يلزم معها البعد عنها واستنكارها.
2- تسمية العدوان على الأنثى ختانا، حتى إن كثيرا من الناس قد مرر عليه هذا، وظن أن العدوان على الأنثى الذي يحدث بمصر يندرج تحت الختان الذي هو فطرة باتفاق المسلمين في حق الذكر، وشاع هذا حتى صار كالمسلمات، واستحل بموجبه العدوان المستوجب للقصاص، وذلك لعدم مراجعة شروط عادة ختان الإناث قديما، وذلك لأنهم اشترطوا فيها القطع الذي بمعنى الشق دون الاستئصال كما يقول الماوردي فيما نقله عنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:340/10, وأيده النووي أيضا في المجموع148/3، فعبر بالقطع دون الاستئصال.
ومعنى هذا أن تلك العادة حتى تطبق على وجهها يجب أن يقوم بها ليس كل طبيب، ولا كل جراح، بل خبير متخصص في هذه الجراحة وفي هذا الموضع الدقيق الحساس، وكل ذلك من أجل استمرار عادة تغير حالها بتغير موضوعها كما يقول الأصوليون والفقهاء، فهذه العادة كانت توجد والملابس واسعة، والإثارة قليلة، والإنسان يتصل بالكون أكثر، جسده لا يتأثر بتلوث بيئي منتشر، وبالرغم من ذلك لم تكن شائعة في المشارق ولا في المغارب دون مصر وبعض بلاد إفريقيا، فلما تغيرت البيئة وكثر التلوث وضاقت الملابس، وكثرت الإثارة، واعتمد الناس على السيارات والطيارات، وتقارب الزمان، وتغير العلاج، فأصبح بالمواد الكيماوية دون الطبيعة أجمع الأطباء على ضررها في حق الإناث، وعلى أنها لم تعد على حالها القديم، فإطلاق اسم الختان عليها تلبيس وتدليس نضطر إليه لشيوع اللفظ، لا لترتيب الأحكام.
والمرجو من العلماء ومن المفكرين في الشرع وفي الطب وفي الاجتماع البشري أن يقفوا يدا واحدة للقضاء على هذه العادة الذميمة، غير ملتفتين لمن يريد أن يسحب ما في الكتب على واقع قد تغير، غير عابئين بكل المعاني الأخرى، وهذا تلاعب بالأسماء بإزاء المسميات. قد لا يكون مقصودا وقد يكون مقصودا.
3- وتأكيدا على هذا المعني نقول إنه لم يصح حديث في هذا، قال شمس الحق العظيم آبادي في( عون المعبود)126/14: وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت.
ويقول الشوكاني في( نيل الأوطار)191/1: ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به، فهو لا حجة فيه على المطلوب, وقال ابن المنذر: ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع. وأكد هذا لفهم جماعة من العلماء المعاصرين منهم الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء في مقال له في مجلة الأزهر عدد 24 لسنة1952، وهذا ما ذهب إليه كذلك فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي، وهو ما ذهب إليه مجمع البحوث الإسلامية بجلسته بتاريخ2007/6/28 حيث رأي ضرورة تنظيم حملة إرشادية وإعلامية تحذر المواطنين من ممارسة هذه العادة الضارة.
هذا كله يوضح حقيقة المسألة، وطبيعتها فيما نحن فيه من تغيرات بيئية، نسأل الله أن يلهمنا صوابنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأهرام 9 يوليو 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق