الأحد، 8 يونيو 2008

ختان الإناث‏- 2


بقلم الدكتور على جمعة

مفتى الديار المصرية

عندما نتعامل مع قضية ضاربة بجذورها في التاريخ‏،‏ ملتبسة هذا الالتباس مثل ختان الإناث، فإننا نحتاج إلى مزيد إيضاح‏،‏ لفك الالتباس‏,‏ ولإقرار الحق‏،‏ ونقوم بذلك في الخطوات التالية‏:

1- تقرر عند علماء الحديث أنه لم يصح في ختان الإناث حديث‏، وأن كل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة لا تقوم بها حجة‏، ويكفي هنا أن نشير إلى البحث القيم الذي قام به شمس الحق العظيم آبادي في شرحه عون المعبود في شرح سنن أبي داود‏،‏ وكذلك ما بحثه الإمام الشوكاني في‏(‏ نيل الأوطار‏)، حيث قال العظيم آبادي في‏[‏ عون المعبود‏]:126/14:‏ وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت
ويقول الشوكاني في‏[‏ نيل الأوطار‏]191/1:‏ ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به‏، فهو لا حجة فيه على المطلوب‏،‏ وقال ابن المنذر‏:‏ ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنه تتبع‏..‏ ومن ذلك كلام ابن الحاج في المدخل، وكلها تبين أنها عادة وليست عبادة‏.‏

2- عندما نسأل عن وجوب أو سنية ختان الإناث‏،‏ ونجيب بأن الفقهاء قالوا بأنها مكرمة‏، تعني أنهم نفوا عنها صفة الوجوب‏.‏ ونفوا عنها صفة السنة‏،‏ وبذلك فقد نفوا عنها صفة التشريع‏،‏ وجعلوها من العادات‏،‏ فإذا كانت العادات‏، فإن الأمر فيها مردود إلى الخبراء‏,‏ والى البيئة‏،‏ والى النفع والضرر المحيط بها‏،‏ ولما كان السقف المعرفي للطب القديم بعضه يقول‏:‏ إنها لا تضر ولا تنفع‏، وبعضه يقول‏:‏ أن فيها شيئا من النفع‏، فقد قال الفقهاء بناء علي كلام الأطباء أنها مكرمة،‏ ويفهم بعض الناس من نقلنا عن الفقهاء أنها مكرمة أنها مرغوب فيها‏، والأمر ليس كذلك، بل كلمة مكرمة هنا تكلم بها الفقهاء بناء على المعارف الطبية،‏‏ وليس بناء على الشريعة الإسلامية‏،‏ حيث أنهم يضعفون الحديث الذي وردت فيه هذه العبارة‏,‏ ولو استدلوا به،‏ لاستدلوا به على أنها ليست من الشريعة في شيء‏،‏ وهو الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي‏:‏الختان سنة للرجال مكرمة للنساء‏.‏

3- والمعارف الطبية أخذت في التطور والرصد للحالات والبحث الدقيق حتى استقرت الآن على الضرر البليغ لختان الإناث فيما هو إجماع بين المتخصصين في هذا الشأن‏,‏ والطبيب الذي يخالف هذا الإجماع‏,‏ تراه غير متخصص فيه‏,‏ وتراه يتكلم بطريقة غير علمية‏,‏ وقد تتعلق بأمر آخر غير العلم من ثقافة سائدة أو ظن أن الشريعة تأمر به‏,‏ فيكون متحرجا أو غير ذلك‏.‏
ومن المعلوم أن الفقهاء ربطوا كلامهم في كثير من المسائل بالأطباء‏,‏ يقول الإمام الشافعي عندما يتكلم عن كراهة الوضوء بالماء المشمس في كتابه الأم ج‏1‏ ص‏7‏ ط دار قتيبة‏:(‏ ولا أكرهه إلا من جهة الطب‏),‏ وعندما يتكلمون على مسائل الحيض والنفاس والولادة‏,‏ وغير ذلك من الأمور الصحية المتعلقة بالمرأة‏,‏ فإنهم يرجعون إلى الوجود‏,‏ ويعنون بالوجود البحث الطبي‏,‏ والرصد والتتبع‏,‏ فقد تقرر أن مالا ضابط له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى الوجود‏,‏ كما في فتح المنان شرح الزبد لابن رسلان‏,‏ ص‏97‏ والمتصفح لكلامهم في هذا المعني يجده كثيرا‏.

4- ومنهجنا أننا نحترم المعرفة‏,‏ وما من الله به على الإنسان من علم‏,‏ وأننا لسنا من الذين يشتهون سب الأقدمين‏,‏ ولا انتقاصهم‏,‏ بل أننا نعظمهم غاية التعظيم‏,‏ حيث قاموا بواجبهم على منهج علمي رصين‏,‏ يتفق مع ما أذن الله لهم من معرفة‏,‏ ومن هنا تكلمنا عن أن الختان أربعة أنواع النوع الأول منه يتم فيه نوع من القطع أي الجرح وليس الاستئصال‏,‏ والأنواع الأخرى يتم فيها الاستئصال‏,‏ وأن النوع الأول هو الذي أقره الأطباء قديما‏,‏ وهو المفهوم من الحديث الضعيف الذي لا تقوم به حجة أشمي ولا تنهكي وهو الذي صرح به الماوردي فيما نقله عنه ابن حجر العسقلاني‏,‏ وتبعه النووي في ذلك من أن المقصود هو القطع لا الاستئصال‏,‏ وأن الأنواع الثلاثة إنما هي عدوان يستوجب القصاص‏,‏ أو الدية‏,‏ وأن الدية فيها تصل إلى دية النفس‏,‏ في حين أن النوع الأول وهو أخفها إنما هي من العادات المرتبطة بالمعارف الطبية‏,‏ وحيث أجمع الأطباء المتخصصون أهل الفن الكبراء‏,‏ وأطبقت كلمتهم على ضرر هذا الفعل‏,‏ فقد وجب القول بمنعه‏,‏ وتحريمه‏,‏ وتجريمه‏,‏ وليس في ذلك تجريم لسنة قد تركها لنا المصطفي صلى الله عليه وسلم كما يدعي بعضهم‏.‏

5- ويعترض بعضهم أن بعض علماء الشريعة الكبارـ كالشيخ جاد الحق علي جاد الحق‏,‏ والشيخ عطية صقر‏-‏ رحمهما الله وبارك فيهما وفي علمهما‏-‏ في سنيننا المتأخرة أصدروا الفتاوى بأنه سنة أو واجب‏,‏ وأقول بكل ثقة إن ذلك منهم كان استمرارا على المنهج الذي يرفض محض الآراء‏,‏ والتقليد للآخرين‏,‏ وأن نترك شيئا من موروثنا من أجل هذه الآراء أو الرغبات‏,‏ أو ذلك التقليد‏,‏ أما لو اطلع على تلك الأبحاث المتكاثرة‏,‏ وهذا الاتفاق الذي أطبق عليه‏,‏ فإنهم يرجعون إليه كما علمونا‏,‏ فالأمر في غاية الوضوح‏.‏

6- ومما ذكرناه أرى انه يجب أن تطبق كلمة العلماء الشرعيين على تحريم هذه الفعلة‏,‏ حيث أننا نصحنا الأطباء بالبحث منذ أكثر من خمسين سنة‏,‏ فبحثوا وأجمعوا‏,‏ ونصحناهم بالمؤتمرات فاجتمعوا وقرروا‏,‏ ونصحناهم بالاتفاق لا عن آراء ولا عن تقليد‏,‏ وإنما عن بحث وتتبع‏,‏ بحثوا وتتبعوا واتفقوا‏,‏ فوجب على علماء الشرع كما علمنا مشايخنا أن يزيلوا هذا الالتباس‏,‏ وأن يجتمعوا على كلمة سواء‏,‏ فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير اختلاف بعدما تبين لنا الحال‏.‏

الأهرام 13 أغسطس 2007

ليست هناك تعليقات: