الخميس، 29 مايو 2008

المسلمون في بريطانيا 1


بقلم‏:‏د‏.‏ علي جمعة
مفتي الديار المصرية

سافرت الأسبوع الماضي إلي لندن لحضور اجتماع بين الحكومة البريطانية والمسلمين‏,‏ وكان الاجتماع بحضور مستر توني بلير رئيس الوزراء البريطاني مع ممثلين من نحو ‏35‏ دولة إسلامية‏،‏ اجتمعنا معه في الصباح في قصر رئاسة الوزراء بحضور ما لا يزيد علي عشرة أشخاص يمثلون الاتجاهات المختلفة‏،‏ ولمدة تزيد على الساعة‏،‏ ورأيته حريصا كل الحرص إلى أن يستمع إلى الجميع وأن يسجل ما يسمع بكل دقة حتى كون أمامه أكثر من عشر ورقات‏، واستأذن بعدها في الانصراف لكي يعد الكلمة التي سوف يلقيها أمامنا في المؤتمر في قصر‏(‏ لانكستر هاوس‏).‏

وفي هذا اللقاء كان حريصا على أن يبين حقيقة يؤكدها أنه من الجائز أن نختلف معه اختلافا بينا في مدي صواب أو خطأ قراراته خاصة الخارجية منها‏،‏ وكان يشير بوضوح إلى الوجود البريطاني في العراق وأفغانستان‏,، إلا أنه من الخطأ في رأيه أن نجعل الدين هو المحرك لهذا القرار‏،‏ وهو الدافع لمثل هذه الحروب‏،‏ وهنا تدخل الدكتور مصطفى سيرتش رئيس الديانة في البوسنة‏،‏ وقال‏:‏ إننا نود ذلك‏،‏ لكن في بعض الأحيان لا نفهم أن يكون الدين قد ظهر فجأة لرفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب دينه،‏ فرد عليه مستر بلير بأنه غير موافق إطلاقا إلى أن تتسع شروط العضوية في الاتحاد الأوروبي أكثر مما وضعت له‏;‏ ولأنني لست رجل سياسة فإنني شعرت أنها تخلص دبلوماسي لم ينف بصورة قاطعة الاعتراض‏،‏ ولكن هكذا عالم اليوم‏.‏

وكانت مداخلتي في هذا الاجتماع الصباحي تعرض ما سبق أن قمت به منذ سنوات بعرض فكرة البروتوكول الذي يرعى شئون أهل الأديان المختلفة داخل الدولة الحديثة،‏ والذي سبق أن تكلمت عنه هنا في جريدة الأهرام بعد عودتي من لندن حينئذ‏(‏ مقالة‏:‏ كنت في لندن‏/2005)،‏ ولخصت لمستر بلير فكرة هذا العقد الاجماعي ـ إن صح التعبير ـ والذي كنت عرضته للمسلمين فقط واقترحت البارونا سايمونز حينئذ أن يكون لكل الأديان‏،‏ واستحسنت الفكرة‏،‏ والذي يتلخص في وجوب مراجعة مناهج التعليم لتنقيتها من كل أنواع العنصرية أو ازدراء الأديان خاصة الإسلام‏,، وإعطاء المعلومات الصحيحة للتاريخ الإسلامي‏،‏ وكذلك وضع ميثاق شرف للإعلام في علاقته مع المسلمين‏،‏ وكذلك وضع أسقف لقضايا القوانين التي تسهل الحياة على المسلمين‏،‏ والتي وفي نفس الوقت تساعد على اندماجهم في مجتمعاتهم وخدمة أوطانهم‏،‏ وكذلك قضايا المرجعية‏،‏ وإعداد الدعاة من البريطانيين أنفسهم ليس تحت فكرة الإسلامات المتعددة التي يطرحها بعض المستشرقين‏،‏ وإنما تحت فكرة مرونة التشريع الإسلامي‏,، وقدرته علي تلبية احتياجات العصر‏، ومواكبة الأحداث‏، دون الرغبة أو الإلحاح في تذويب الهوية الإسلامية‏،‏ أو طمسها، أو محاولة الصدام معها‏،‏ فهناك وسائل كثيرة نستطيع بها أن نجعل تلك الهوية مصدر خير ونفع للمجتمع‏،‏ وليس مصدر قلق وإزعاج ثم صدام، وأن مؤسسة الأزهر ومصر تشعر بالمسئولية التي توجب عليها المساهمة والمساعدة في هذا المجال‏.‏

قال لي مستر بلير‏:‏ إن كل ما قلته صحيح،‏ لكنني أردفت القول‏:‏ بأننا نعمل ببطء،‏ وإذا كنا نكرر الكلام بعد سنوات ثلاث‏، فإن هذا يعد تمكينا للتطرف،‏ وعدم مراعاة طبيعة العصر الذي نعيش فيه‏.‏

بعد ذلك انتقلنا إلى المؤتمر‏،‏ واستمعنا إلى ثلاث كلمات‏;‏ الأولى‏:‏ للأمير تشارلز‏،‏ والثانية‏:‏ لمستر بلير‏، والثالثة‏:‏ للسيد شوكت عزيز رئيس وزراء باكستان‏.‏ أما كلمة الأمير والسيد شوكت فكانت منقولة بالتسجيل‏،‏ وأما مستر بلير فقد حضر وألقاها‏.‏

أما كلمة الأمير تشارلز‏،‏ فقد أكد فيها احترام الإسلام وحضارته‏، ووجوب الإسراع في مزيد من التفاهم والتعاون بين الغرب والمسلمين،‏ خاصة أن هذا المؤتمر يقوم به مركز دراسات الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام التابع لجامعة كمبردج‏(‏ حديث النشأة‏)، والذي يقوم عليه الدكتور ديفيد فورد‏، المتخصص الأكبر في علم اللاهوت المسيحي، وهذا المركز يشترط أن يقدم هذه الأديان ويقوم بدراستها أصحابها والمؤمنون بها حتي يكون الصوت من الداخل،‏ وليس من الخارج،‏ وحتى يتم التفهم الحقيقي دون فهم غريب أو خارجي عن أصحاب هذه الأديان وأفهام علمائها‏.‏ والممثل للمسلمين في هذا المركز هو الأستاذ الدكتور عبدالحكيم ونتر البريطاني الأصل‏،‏ والأستاذ المتخصص في التاريخ العثماني بجامعة كمبردج‏.‏

لقد رأيت في هذا المؤتمر مع بساطته كيف أن الجميع يهتمون بالمسائل العملية‏،‏ ويفصلون بين السياسة وعلم اللاهوت‏،‏ ولا يتدخلون في ثورة عامة فيها ما لا يتقنونه‏،‏ بل ولا يريدون‏;‏ إنما يريدون أن يصلحوا حياتهم‏،‏ وأن يصلوا بمجتمعهم إلى الأمن وإلى الرفاهة‏.

رأيت الحكومة والمعارضة‏،‏ ورأيت رئيس الوزراء الحالي والمرشح بعده مستر براون كلهم في قارب واحد يسعون لمصلحة البلاد‏،‏ فتذكرت قوله تعالي‏:(‏ فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال‏)[‏ الرعد‏:17]‏ وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله كره لكم ثلاثا‏:‏ قيل وقال‏،‏ وإضاعة المال‏،‏ وكثرة السؤال. رواه البخاري ومسلم

فاللهم علمنا‏، غفرانك‏.‏

وفي الأسبوع القادم إن شاء الله تعالي نتكلم عن كلمة مستر بلير بالتفصيل‏.

ليست هناك تعليقات: