الاثنين، 26 مايو 2008

اللفظ بين الاشتراك والارتباط والافتراق



بقلم: الدكتور على جمعة

مفتى الديار المصرية

الاشتراك فى اللغة العربية هو أن اللفظ الواحد يحتمل أكثر من معنى، والارتباط أن المعنى الواحد تعبر عنه الألفاظ المتعددة، والافتراق يعنى أن هناك فرقا بين معنيين للفظين رغم التشابه.

فعلى سبيل المثال، هناك فرق بين الفقير والمسكين رغم التشابه الظاهر، ورغم استخدامنا اللفظين كمترادفين فى كثير من الأحوال. فليس من المعقول أن يقول الله سبحانه وتعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) [التوبة: 60]، ويكون الفقير هو المسكين، والمسكين هو الفقير، لابد أن يكون هناك فرق. فكأن الفقير هو المعدم، كالذى يملك دخل فردين وهو يعول عشرة أفراد، فالفجوة كبيرة، والمسكين أحسن حالا كالذى معه دخل سبعة أفراد ويحتاج لكفاية عشرة.

هنا شيء لطيف، يقولون: إذا اللفظان فى الذكر قد اجتمعا، فإنهما قد افترقا فى المعنى وإذا فى الذكر افترقا، ففى المعنى قد اجتمعا.

الكذب والبهتان والافتراء، ما الفرق؟

إذا افترقت هذه الألفاظ اشتركت فى التعبير عن معنى الكذب، وإن كانت بدرجات وصور مختلفة. فالكذب حكاية عن الواقع بما هو غير الواقع، أى بالتغيير فيه. أما الافتراء فحكاية عن أمر لم يحدث من الأصل، أى يقوم المفترى بتأليف القصة. أما البهتان ففيه إيقاع الإيذاء على الكذوب عليه. فإذا ذكرت هذه الألفاظ متلازمة، تبين الفرق واضحا، وإذا ذكرت كل واحدة على حدة فتعطى معنى الكذب .. وهكذا.

وهذه الجزئية يمنك أن نضعها فى الخصائص اللغوية، فهناك الاشتراك، والارتباط، والفروق.. وقد ألف القدماء فى هذا الباب كتبا تحت عنوان “الفروق”، وهو مبحث يحتاج إلى دراسة متعمقة للمضى فى رحلة التعرف على العقل التراثى المسلم.

اللفظ بين الحقيقة والمجاز:

أيضا من خصائص اللفظ العربى الحقيقة والمجاز. عندما أقول: رأيت أسدا للحيوان المفترس، فهذه حقيقة، وإذا قلت: رأيت أسدا لأعنى شخصا شجاعا فهذا يعتبر مجازا. إذ الاستعمال يؤثر فى اللفظ. وهذا باب واسع تبين بعض معالمه فى مواضع تالية.

هذا عن خصائص اللفظ فى اللغة العربية بشكل رمزى، لكنها فى الواقع قصة كبيرة تحتاج إلى اجتهاد من الباحث المعنى بمطالعة التراث.

التركيب: الجملة العربية

لابد أن ندرس التراكيب اللغوية. فالجملة العربية مكونة من ركنين ظاهرين وركن ثالث خفى:

1- الركن الأول “المسند إليه” ويطلق عليه فى علم المنطق “الموضوع” ويطلق عليه فى علم النحو “المبتدأ” فى الجملة الاسمية، و”الفاعل” فى الجملة الفعلية. وفى علم البلاغة يطلق عليه “المسند إليه”، أى اللفظ الذى نسند إليه سائر الكلام.

2- الركن الثانى “المسند” ويطلق عليه فى علم المنطق “المحمول” ويطلق عليه فى علم النحو “الخبر” فى الجملة الاسمية، و”الفعل” فى الجملة الفعلية. وفى علم البلاغة يطلق عليه “المسند”، أى اللفظ الذى يتم إسناده إلى الموضوع ليكتمل المعنى، إنه يخبر عن “الموضوع”.

3- الركن الثالث “الإسناد” وهو عبارة عن الرابطة بين المسند والمسند إليه. وفى بعض الأحيان يطلق عليه “النسبة” أو “العلاقة” أو “الحكم” أو “الحمل” أو “الخبر” أو “الوصف” … ألفاظ كثيرة ومختلفة، لكن المعنى واحد. مثال: المؤمنون مفلحون، وقد أفلح المؤمنون. فقضية الفلاح أسندت إلى (المؤمنين). المؤمنون مسند إليه، أو موضوع أتحدث عنه، والمسند (مفلحون، وقد أفلح). وفى النهاية عندى ثلاثة عناصر: اثنان ظاهران وهما المسند والمسند إليه، وثالث معنوى وهو عملية الإسناد نفسها.

النحو: العرب لهم الفضل فى نطق هذه الجملة بطريقة صحيحة منضبطة على وجوه الإعراب، أى علم النحو. والنحو أو الإعراب هو الضابط الذى يمنح الجملة معناها، وهو قادم من المعنى أيضا كما قالوا: “الإعراب وليد المعنى”. فالمعنى يتخلق فى الذهن كتصور، ثم يريد المرء أن يخرجه فى كلام، فتبدأ عملية “التعبير” التى لابد أن تتكون على أرضية اللغة. فتبدأ بإدراك حروف البناء (حروف المبانى) ومنها تكون اللفظ بالصرف (تطوير المشتقات من الجذر اللغوى الثلاثى غالبا) ثم تتحرى حال اللفظ فى علاقته بسائر الألفاظ (الاشتراك والارتباط والافتراق و…) وتتحرى عادة الاستعمال (الحقيقة والمجاز، التقديم والتأخير …) ووظائف الألفاظ (المعانى والدلالات)، ثم تركيب الجملة بضم المسند الى المسند اليه. وهذا التركيب أو الضم الأخير ليس مجرد رص كلمات إلى جوار بعضها البعض، فقد لا تؤدى المعنى المطلوب.

ففى المثال السابق لا يصح أن نقول: مفلحون المؤمنون، ولا أن نقول: قد المؤمنون أفلح فهذه تراكيب غير صحيحة، والسبب عدم تحرى قواعد النحو التى “تعرب” عن المعنى وتخرجه واضحا عند تجميع الألفاظ، على نحو منضبط.

وهناك قواعد للإعراب وأدوات وآليات يسهل التدرب عليها، وهى تستوعب جميع أحوال الجملة العربية، وأحوال الألفاظ (الحرف والفعل والاسم) فيها: كالفعل متى يكون مرفوعا؟ ومتى يكون منصوبا أو مجزوما؟ فهناك أدوات تمنح الفعل شكلا من النصب والجزم كما تمنحه معنى من النفى أو الأمر أو النهى أو التعليل… الخ.

كذلك الاسم يقع بين الرفع والنصب والجر حسب حالته فى الجملة وما يتقدمه من أدوات وكلمات. فهو مرفوع على أنه مبتدأ، أو اسم ل”كان وأخواتها” التى ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، أو خبر ل”إن وأخواتها” التى تنصب المبتدأ وترفع الخبر، وما إلى ذلك.

الأهرام 8 مايو 2007

ليست هناك تعليقات: