الاثنين، 26 مايو 2008

الصحابة الكرام



بقلم‏:‏ د‏.‏ علي جمعة
مفتي الديار المصرية

كان الصحابة الكرام الجيل المميز الذي فهم حقيقة الدين من رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ وطبقه أحسن تطبيق‏,‏ ولقد مدحهم الله سبحانه وتعالي‏,‏ فقال تعالي‏:‏ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون‏[‏ الحشر‏:8]‏.

وقال سبحانه‏:‏ والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم‏[‏ الأنفال‏:74]‏. وقال تعالي‏:‏ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافي قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا‏[‏ الفتح‏:18].

وقال سبحانه‏:‏ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ‏[‏ التوبة‏:100].

وقال تعالي‏:‏ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير‏[‏ الحج‏:78].‏

وقال سبحانه وتعالي‏:‏ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون‏[آل عمران‏:110].

كذلك وردت الأحاديث النبوية المصرحة بذلك الفضل‏,‏ والمحذرة من انتقاصهم رضي الله عنهم‏,‏ ومن ذلك ما ثبت عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم انفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه‏[‏ رواه احمد‏63/3].‏

وقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ خير الناس قرني‏,‏ ثم الذين يلونهم‏,‏ ثم الذين يلونهم‏,‏ ثم يجيء اقوام تسبق شهادة احدهم يمينه‏,‏ ويمينه شهادته‏[‏ رواه البخاري‏938/2,‏ ومسلم‏1964/4].‏

وعن أبي بردة‏,‏ عن أبيه‏,‏ قال‏:‏ صلينا المغرب مع رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ ثم قلنا‏:‏ لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء‏.‏ قال‏:‏ فجلسنا‏,‏ فخرج علينا‏,‏ فقال‏:‏ مازلتم ههنا؟ قلنا‏:‏ يارسول الله‏,‏ صلينا معك المغرب‏,‏ ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء‏.‏ قال‏:‏ أحسنتم أو أصبتم‏.‏ قال‏:‏ فرفع رأسه إلي السماء ـ وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلي السماء ـ فقال‏:‏ النجوم آمنة للسماء‏,‏ فإذا ذهبت النجوم أتي السماء ما توعد‏,‏ وأنا أمنة لأصحابي‏,‏ فإذا ذهبت أتي أصحابي ما يوعدون‏,‏ وأصحابي أمنة لأمتي‏,‏ فإذا ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون‏[‏ رواه مسلم‏129/4].‏

وعن عبدا لله بن مغفل قال‏:‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ الله‏,‏ الله‏,‏ في أصحابي‏,‏ الله‏,‏ الله‏,‏ في أصحابي‏,‏ لا تتخذوهم غرضا بعدي‏,‏ فمن أحبهم‏,‏ فبحبي أحبهم‏,‏ ومن ابغضهم‏,‏ فببغضي ابغضهم‏,‏ ومن أذاهم‏,‏ فقد أذاني‏,‏ ومن آذاني‏,‏ فقد آذى الله‏,‏ ومن أذي الله فيوشك أن يأخذه‏[‏ رواه الترمذي‏696/5,‏ واحمد في مسنده‏87/4].‏

وقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ لعن الله من سب أصحابي‏[‏ الطبراني في الأوسط‏115/7,‏ والكبير‏142/12].‏

فتكونت من مجموع تلك الآيات والأحاديث عقيدة راسخة لدي السلف الصالح في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ وشهدت بذلك أجوبتهم‏,‏ فجاء رجل إلى عبدا لله بن المبارك وسأله‏:‏ أمعاوية أفضل أم عمر بن عبدا لعزيز؟ فقال‏:‏ لتراب في منخري معاوية مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ خير وأفضل من عمر بن عبدا لعزيز‏[‏ رواه ابن عساكر‏208/59].‏

وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي ــ رحمه الله ــ فقال‏:‏ يا أبا زرعة أنا أبغض معاوية‏,‏ قال‏:‏ لم؟ قال‏:‏ لأنه قاتل عليا‏.‏ فقال أبو زرعة‏:‏ إن رب معاوية رب رحيم‏,‏ وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين. (‏رواه ابن عساكر‏141/59,‏ فتح الباري‏86/13,‏ عمدة القاري‏215/24].

وقال ابن الصلاح ــ رحمه الله تعالي‏:‏ إن الأمة مجمعة علي تعديل جميع الصحابة‏,‏ ومن لابس الفتن منهم فكذلك‏,‏ بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع‏[‏ مقدمة ابن الصلاح ص‏428].‏

وفي كتب العقائد تقرر عند أهل السنة حبهم‏,‏ والتبرؤ من بغضهم‏,‏ يقول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالي‏:‏ ونحب أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم‏,‏ ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم‏,‏ وبغير حق يذكرهم‏,‏ ولا نذكرهم إلا بخير‏,‏ وحبهم دين وإيمان وإحسان‏,‏ وبغضهم كفر ونفاق وطغيان‏[‏ عقيدة الطحاوي مع شرحها‏689/2].‏

فهذا كان منهج السلف الصالح الذين يقرأون فيفهمون‏,‏ ويعالجون المواضيع بحكمة بالغة‏,‏ لا يخرجون عن احترام الكبير‏,‏ ولا يقبلون الخطأ بل ينبهون إليه‏,‏ وبعض الناس يعتقد ان هدم القداسة سوف يؤدي إلي الخير وهم مخطئون‏,‏ فلقد خالف الأئمة الكبار كالشافعي ومالك وأمثالهما الصحابة في آرائهم الفقهية وعبروا بتعبير مؤدب معهم عندما خالفوهم‏,‏ فتري أحدهم يقول‏:‏ ذلك مبلغ علم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه‏,‏ فيسوده‏,‏ ويترضي عنه في نفس الوقت الذي يخالف رأيه‏,‏ هكذا يكون الأدب‏,‏ ونخشى علي الناس مغبة سوء الأدب‏.‏

الأهرام 14 مايو 2007

ليست هناك تعليقات: