الاثنين، 26 مايو 2008

كنت ضيفا علي المائة


بقلم‏:‏د‏.‏ علي جمعة
مفتي ال
ديار المصرية

حضرت في يومي السبت والأحد‏19‏ و‏20‏ مايو ‏2007‏ وقائع المؤتمر الاقتصادي‏,‏ وجلسات لجنة المائة‏,‏ والتي تكونت من مجموعة من القيادات الدينية العالمية‏,‏ من أجل البحث في كيفية العيش المشترك‏.‏

وفي هذا المؤتمر رصد الشيخ محمد بن راشد عشرة مليارات دولار لقضية التعليم‏,‏ وهي خطوة أساسية ومهمة في الطريق الصحيح لإعادة شأن الحضارة إلي محورها العربي والإسلامي‏,‏ وذلك لأن التعليم هو الذي ينشئ الحواضر‏,‏ فالإنسان في ذلك قبل البنيان‏,‏ ويهتم الشيخ محمد بن راشد في كتابه رؤيتي بمفهوم القيادة وأهم عنصر من عناصر القيادة التعليم‏,‏ والتدريب‏,‏ فلابد علينا أن نلتفت إلي هذين الجانبين في تنمية الإنسان‏,‏ لا أن نكتفي أبدا في بناء الهياكل الأساسية وإن كانت في غاية الأهمية‏,‏ فلم تنشأ حاضرة بغداد ثم القاهرة ثم اسنطبول وما قبل ذلك وما بعده في تاريخ المسلمين إلا علي العلم‏,‏ وحيث ما كانت الحاضرة كانت المكتبات ووفرة العلماء بصورة لافتة للنظر‏.‏

وفي لجنة المائة كان الموضوع هو أزمة المياه وأراد بعضهم أن يتعجب من اهتمام لجنة المائة التي تضم القيادات الدينية العالمية‏,‏ والتي تعني أساسا بالحوار‏,‏ وبين موضوع المياه‏,‏ لكن هذه اللجنة ليس الهدف منها الجدل الديني‏,‏ وإنما الهدف منها أن يعمل القادة الدينيون علي حل مشكلات الناس وعلي الشعور بهم بطريقة علمية وواقعية‏.‏ وكذلك بحثت لجنة المائة الفرق بين استغلال الدين‏,‏ وبين مفهوم المرجعية‏,‏ فاستغلال الدين يتم في مجال السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الحياة‏,‏ وغيرها عن هوي وتشه‏,‏ ويصدر عادة من غير المختصين‏,‏ أو من أصحاب المصالح‏,‏ ولا يوصف أبدا بأي شيء من الخلق أو التقوى‏,‏ في حين أن المرجعية تصدر من المتخصصين‏,‏ وفيها الكثير من التقوى‏,‏ والدراسة المتأنية وإدراك الواقع وتحقيق المصالح الآنية‏,‏ ومراعاة المآلات المستقبلية‏.‏

قد اقترحت لدي هذه اللجنة ما كنت اقترحته قبل ذلك مع الساسة البريطانيين حول دستور التعايش‏,‏ والذي أسميته قبل ذلك بالبروتوكول‏,‏ وهذا الدستور يشتمل علي مراجعة دقيقة وجريئة لمناهج التعليم‏,‏ وللقوانين‏,‏ ولتحديد المرجعية الدينية لطوائف المجتمع‏,‏ ولقضية الاندماج بمفهوم المواطنة‏,‏ ونحو ذلك‏.‏ دعوتهم الي الإسراع‏,‏ وإخراج مثل هذا الدستور الذي يقينا كثيرا من الصراع‏,‏ ويجرم ازدراء الأديان‏,‏ ويبحث عن المشترك الذي يمكن أن نتعاون عليه‏.‏

واستلمت من مؤسسة جالوب الإعلامية العالمية علي هامش المؤتمر تقريرا مفصلا قاموا به للكشف عن صورة الإسلام والمسلمين في الذهن الغربي وصورة الغرب في الذهن المسلم في بلاد المسلمين‏,‏ وكانت النتائج في مساحة كبيرة منها غير متوقعة إلا أن التوجه الغربي خاصة الأمريكي أجاب عن سؤال ما الذي نريده من العالم الإسلامي؟ بأنه يريد تفهما أكثر لسياساته ولمعانيها‏,‏ ويري المشكلة تتمثل في مزيد من التعليم والتفهيم في حين أن الطرف الإسلامي يري أن المشكلة تتمثل في عدم احترام الغرب للإسلام‏,‏ وللمسلمين‏,‏ وأنه يجب عليه أن يشرع في هذا الاحترام‏,‏ وإلا لا يكون وفاقا مع أشخاص يريدون الهيمنة ولا يؤمنون باحترام الآخر‏.‏ وهذا التقرير جدير بالإطلاع والتفهم لأنه عالج المسألة بصورة علمية إحصائية‏.‏

في هذا المؤتمر ومع تلك القيادات المائة يتبين أن الحفاظ علي العقيدة لكل طرف من الأطراف لا يلزم منه عدم التعاون في الحياة‏,‏ واللهجة السائدة عند بعض المثقفين تري أنه يجب علينا أن نسكت عن كثير من عقائدنا‏,‏ وبعضهم يري أن نخفيها وهذه سياسة غير سديدة سواء في السكوت أو الإخفاء‏,‏ وأنكت منها وأمر الإنكار والتبري مما يتوهمه هؤلاء أنه سيثير عداوة ضد الإسلام أو المسلمين‏,‏ والحقيقة هو أن الاتفاق جار علي عدم التدخل في العقائد‏,‏ وأننا كمسلمين نفخر بعقائدنا‏,‏ وأن المشكلة في تصرف من يستغل الدين من أجل فرض رأيه بالقوة أو تدمير البشر بغير حق‏.‏

الجميع يُتَفهون العقائد ولا يتكلمون فيها‏,‏ ويبحثون عن المشكلات الحياتية التي تجعلنا أكثر سلاما واستقرارا وأمنا‏,‏ وفي بعض الأحيان فهم أكثر احتراما لعقائدنا من بعض المنتسبين إلينا‏.

أخرج البخاري ومسلم حديثا جامعا مرت به الأمة الإسلامية‏,‏ حيث ورد عند سيدنا حذيفة قوله‏:‏ كان الناس يسألون رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم‏.‏ قلت وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم دعاة إلي أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال أفطر جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتي يدركك الموت وأنت علي ذلك‏.‏

الأهرام 28 مايو 2007

ليست هناك تعليقات: